حينئذٍ ما كان أنسب من المعاني فهو أولى به؛ لأنه قد يَتنازع عاملان فأكثر في جار ومجرور، أو ظرف، فالمعنى هو الذي يَقتضِي ذلك، حينئذٍ نقول:(قام) اقتضى رفع (زيد) على أنه فاعل له، و (زيد) معمول لـ (قام)، معمول لأنه فاعل، والرفع الذي هو ضَمَّةٌ في آخِر (زيد) هو العمل، دليل العمل على مذهب الكوفيِّين، وهو العمل على مذهب البصريِّين من جَعْل الإعراب لفظياً، وهو دليل العمل من جَعْله معنوياً.
هذا العامل من شروطه: أنه لا يَتعدَّد عاملان على معمول واحد من جهة واحدة، لا يمكن أن يوجد عاملان يَطلبان فاعلاً واحداً من جهة واحدة، حينئذٍ لا يَجتمع عاملان على معمول، ولا يكون معمولٌ لعاملَين البَتَّةَ.
فإذا كان كذلك؛ حينئذٍ ما وجد وظاهره أنه تَسلَّط عاملان على معمولٍ واحدٍ -والأصل المنع- لكن جاء في لسان العرب ما ظاهره أن ثَمّ عاملَين يطلبان معمولاً واحداً، وهذا الاسم الظاهر، أو المعمول الذي يَقتضيه الفعل الأول والفعل الثاني .. لا يمكن أن يجتمعا؛ للقاعدة السابقة: أنّ ما كان مُتمِّماً لفعل لا يكون مُتمِّماً للآخر من الجهة نفسِها، أو من الحيثية نفسِها، وحينئذٍ نقول: إذا اجتمع عاملان على معمول واحدٍ فما العمل؟
هذا الذي عَقَد له النحاةُ باب التنازُع في العمل، حينئذٍ الباب السابق ذَكَر فيه التعدِّي واللزوم، وكل واحد منهما يأخذ نَصيبه من الأسماء الظاهرة، فاللازِم يَطلب فاعلاً واحداً ولا يَطلب فاعِلَين، والفاعل الذي طلبه الفعل اللازم لا يَطلبه فعل آخَر، وكذلك المفعول به إذا نَصبه فعلٌ مُتعدٍّ، حينئذٍ لا يَطلبه فعلٌ آخر، إن وُجِد في لسان العرب ما ظاهره التنازُع والتجاذُب بين العوامل على معمول واحد -والأصل المنع-؛ ماذا نصنع؟ عَقَد النحاة هذا الباب من أجْل حلّ هذه المشكلة، فقالوا: باب التنازُع في العمل، تَنَازُع: تَفاعُل، والمراد به التجاذُب.
إذاً الأصل في الباب أنه على خلاف الأصل؛ لأن الأصل ألا يَتسلط عاملان على معمول واحد، وألا يَقتضي ويَطلب عاملان معمولاً واحداً، هذا هو الأصل، حينئذٍ جاء الباب على خلاف الأصل، ولذلك بعضُهم يرى أن هذا الباب مُولَّد عند النحاة، يعني: ليس له أصل في لسان العرب، لكن ليس الأمر كذلك، هو من حيث الأصل موجود، وأما من حيث التفريعات فهذا فيه بعضُ النظَر.
تنازُع: تَفاعُل، مأْخُوذ من تَجاذُب، كلٌّ منهما يَجذِب ذلك الاسم ليكون معمولاً له، والآخَر يدخل عليه ويريد أن يكون ذلك الاسم الظاهر معمولاً له، حينئذٍ وقع بينهما نزاع.
(في العَمَل) في اقتضاء كل منهما فاعلاً، أو مفعولاً، أو اقتضاء واحد منهما فاعلاً والآخَر مفعولاً، قد يَتحدُّ من حيث الطلب أن يكون فاعلاً، وقد يَختلف من حيث الأول يَطلب فاعلاً، والثاني يطلب مفعولاً كما سيأتي.
وأما في الاصطلاح: فالمراد به من حيث الحقيقة: أن يَتقدم عاملان على معمولٍ، كلٌّ منهما طالِب له من جهة المعنى.