يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له» (١).
وتأمل قليلا في هذه القصة التي يرويها لنا الإمام ابن الجوزي عن نفسه، وهي تجربة عالم خبير بهذا الترياق ..
قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: عرض لي أمر يحتاج إلى سؤال الله عز وجل، ودعائه فدعوت وسألت فأخذ بعض أهل الخير يدعو معي فرأيت نوعًا من أثر الإجابة فقالت لي نفسي: هذا بسؤال ذلك العبد لا بسؤالك.
فقلت لها: أما أنا فإني أعرف من نفسي من الذنوب والتقصير ما يوجب منع الجواب غير أنه يجوز أن يكون أنا الذي أُجبت لأن هذا الداعي الصالح سليم مما أظنه من نفسي؛ لأن معي انكسار تقصيري، ومعه الفرح بمعاملته وربما كان الاعتراف بالتقصير أنجح في الحوائج على أنني أنا وهو نطلب من الفضل لا بأعمالنا، فإذا وقفت أنا على قدم الانكسار معترفًا بذنوبي، وقلت: أعطوني بفضلكم، فمالي في سؤالي شيء أمن به، وربما تلمح ذلك حسن عمله وكان صادّا له.
أخي المسلم: من القصة السابقة تدرك ما كان عليه الصالحون من الورع والتواضع، وقد كان ذلك ديدن المتقدمين من سلف هذه الأمة (رضي الله عنهم) الاعتراف بالتقصير وعدم الركون إلى أعمالهم الصالحة، أو التبجح بها، وهذه الصفة لا تجدها إلا في أقوام سمت نفوسهم فهم يطالبونها. بالدرجات العالية والهمم الشامخة!