توكلت على الله، والحمد لله خير ما افتتح به الكلام وأختتم. وصلى الله على محمد وآله وسلم. قال الشيخ العميد أبو سهل محمد بن الحسن بن علي، رضي الله عنه، أما بعد: فإني رأيت أكثر أهل العصر المتحلين بالأدب والمنتمين إليه والشائمين برقه والحائمين حواليه غوراً ونجداً وقرباً وبعداً، مقبلين على ديوان أبي الطيب أحمد بن الحسن المتنبي متناظرين عليه متجاذبين طرفيه متخاصمين فيه متوسمين لمعانيه، كما قال هو:
أنامُ ملَء جُفوني عن شواردِها ... ويَسهرُ الخَلْقُ جَرَّاها ويختصمُ
فالشادي يتقلب نحوه بأنفاسه، والمتوجه يبذل كنه الوسع في اقتباسه، والمدرس الماهر قاصر عن ظاهر روايته فكيف عن الغوص على جواهره؟ وكان من الاتفاق أن حفظت في الصبا ديوانه، فقرأته على أبي جعفر محمد بن محمد بن الخليل، وكان يرويه عن علوي عن المتنبي بمعانيه وأغراضه، وذاكرت به حيناً من الدهر من لاقيت من أدباء ذلك العصر، ثم ترامت بي الأحوال إلى (غزنة) ولقيت بها أبا عبد الله الحسين بن إسماعيل التوزي، وكان يحفظه ظاهراً، ويقوم