وإن شئت كان المعنى: على أنني طُوقت بنعمتك أُهدي إليك سلاماً وتحية، ألا تراه يقول بعد هذا البيت.
(سلامُ الذي فوقَ السَّماواتِ عرشُه ... تُخَصُّ به يا خيرَ ماشٍ على الأرضِ)
وقوله: شهيد بها بعضي لغيري على بعضي، فبعضه الشاهد هو لسانه. أي يقول لساني: هذه نعمة سيف الدولة وآثار إحسانه، فيشهد على بقية بدنه.
قال الشيخ: كان هذا المفسر حمله حامل الامتعاض على الإعراض عن مسألة المتنبي عن معاني هذه الأبيات، ولم يسمعها منه، ولم يقف عليها بالاستنباط حتى أمضى به فيها إلى ضروب الاحتياط، وما أبعد معناه عمَّا أبداه، كان قد خلع عليه تلك الليلة ثياباً فارتجل، وقال:
مضى اللَّيلُ والفضلُ الذي لكَ لا يَمْض
بل يعودُ ويتجدَّدُ كلَّ ساعةٍ
ورؤياك أحلى في العُيونِ منَ الغُمضِ
مع أنني طُوقت منك بنعمةٍ، لساني شاهدٌ بها للناس على بدني، واللباس، وإذا كان لقاؤك
أحلى في الجفون من النُّعاس، وانضاف إليه آنف هذا الإكرام والإيناس، فكيف يكون الحال؟ وهذا قريب من قوله:
تُنشِدُ أثوابُنا مدائِحَه ... بألسُنٍ ما لهنَّ أفواهُ