للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قُلْتُ لَهُ: «يَا هَذَا إِنَّهُ لاَ يَلِيقُ بِيَدِي أَنْ تَتَنَجَّسَ بِلَمْسِ شَمْعَتِكُمْ المُلَطَّخَةُ بِدَمِ الأَبْرِيَاءِ، وَسَنَرَى مَنْ النَّجِسَ فِينَا، وَمَنْ القَاتِلَ السَفَّاكَ!؟!».

وَهَبَطْتُ عَلَى دَرَجِ السُلَّمِ يَتْبَعُنِي سَائِرُ الضُبَّاطِ وَالجُنُودِ، شَاهِرِينَ سُيُوفَهُمْ حَتَّى وَصَلْنَا إِلَى آخِرِ الدَّرَجِ، فَإِذَا نَحْنُ فِي غُرْفَةٍ كَبِيرَةٍ مُرْعِبَةٍ، وَهِيَ عِنْدَهُمْ قَاعَةَ المَحْكَمَةِ، فِي وَسَطِهَا عَمُودٌ مِنَ الرُّخَامِ، بِهِ حَلَقَةٌ حَدِيدِيَّةٌ ضَخْمَةٌ، وَرُبِطَتْ بِهَا سَلاَسِلُ مِنْ أَجْلِ تَقْيِيدِ المُحَاكَمِينَ بِهَا.

وَأَمَامَ هَذَا العَمُودِ كَانَتْ المَصْطَبَةُ التِي يَجْلِسُ عَلَيْهَا رَئِيسُ دِيوَانِ التَّفْتِيشِ وَالقُضَاةِ لِمُحَاكَمَةِ الأَبْرِيَاءِ. ثُمَّ تَوَجَّهْنَا إِلَى غُرَفِ التَّعْذِيبِ وَتَمْزِيقِ الأَجْسَامِ البَشَرِيَّةِ التِي اِمْتَدَّتْ عَلَى مَسَافَاتٍ كَبِيرَةٍ تَحْتَ الأَرْضِ.

رَأَيْتُ فِيهَا مَا يَسْتَفِزُّ نَفْسِي، وَيَدْعُونِي إِلَى القُشَعْرِيرَةِ وَالتَّقَزُّزِ طِوَالَ حَيَاتِي.

رَأَيْنَا غُرَفًا صَغِيرَةً فِي حَجْمِ جِسْمِ الإِنْسَانِ، بَعْضُهَا عَمُودِيٌّ وَبَعْضُهَا أُفُقِيٌّ، فَيَبْقَى سَجِينَ الغُرَفِ العَمُودِيَّةِ وَاقِفًا عَلَى رِجْلَيْهِ مُدَّةَ سِجْنِهِ حَتَّى يَمُوتَ، وَيَبْقَى سَجِينَ الغُرَفِ الأُفُقِيَّةِ مُمَدَّدًا بِهَا حَتَّى المَوْتِ، وَتَبْقَى الجُثَثُ فِي السِّجْنِ الضَيِّقِ حَتَّى تَبْلَى، وَيَتَسَاقَطَ اللَّحْمُ عَنْ العَظْمِ، وَتَأْكُلَهُ الدِّيدَانُ. وَلِتَصْرِيفِ الرَّوَائِحَ الكَرِيهَةِ المُنْبَعِثَةِ

<<  <   >  >>