للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يَصْرُخُ جَاوِيدْ .. جَاوِيدْ .. فَأَخَذَهُ الجَلاَّدُونَ وَوَضَعُوا فَوْقَهُ نِصْفَ بِرْمِيلٍ مَمْلُوءٌ بِالرَّمْلِ، ثُمَّ سَحَبُوهُ عَلَى الأَسْلاَكِ الشَّائِكَةِ التِي رَبَطُوهَا صَفًّا أُفُقِيًّا، فَمَاتَ بَعْدَ أَنْ تَقَطَّعَ لَحْمُهُ أَلْفَ قِطْعَةٍ، وَهُوَ يَصْرُخُ: اللهُ أَكْبَرُ .. اللهُ أَكْبَرُ .. لاَ بُدَّ أَنْ نَدُوسَكُمْ أَيَّهَا الظَّالِمُونَ.

وَأَخِيرًا أُغْمِيَ عَلَيَّ.

فَتَحْتُ عُيُونِي .. فُوجِئْتُ أَنَّنِي فِي أَحَدِ المَشَافِي، وَفُوجِئْتُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ بِسَفِيرِ بَلَدِي يَقِفُ فَوْقَ رَأْسِي، قَالَ لِي: «كَيْفَ حَالُكَ؟ .. يَبْدُو أَنَّكَ سَتُشْفَى إِنْ شَاءَ اللهُ. لَوْ لَمْ تَكُنْ غَرِيبًا عَنْ هَذِهِ البِلاَدِ لَمَا اِسْتَطَعْتُ إِخْرَاجَكَ .. » فَاجَأَنِي سَائِلاً: «لَكِنْ بِاللهِ عَلَيْكَ، قُلْ لِي، مَنْ هُوَ هَذَا جَاوِيدْ الذِي كُنْتَ تَصْرُخُ بِاسْمِهِ؟». أَخْبَرْتُهُ بِكُلِّ شَيْءٍ، فَامْتَقَعَ لَوْنُهُ حَتَّى خَشِيتُ أْنْ يُغْمَى عَلَيْهِ.

لَمْ نُكْمِلْ حَدِيثَنَا إِلاَّ وَالشُّرْطَةُ تَسْأَلُ عَنِّي .. اِقْتَرَبَ مِنْ سَرِيرِي ضَابِطُ بُولِيسٍ، وَسَلَّمَنِي أَمْرًا بِمُغَادَرَةِ البِلاَدِ فَوْرًا. وَلَمْ تَنْجَحْ تَدَخُّلاَتِ السَّفِيرِ فِي ضَرُورَةِ إِبْقَائِي حَتَّى أُشْفَى، حَمَلُونِي وَوَضَعُونِي فِي بَاخِرَةٍ أَوْصَلَتْنِي إِلَى مِينَاءِ بَلَدِي، كُنْتُ بِثِيَابِ المُسْتَشْفَى، لَيْسَ مَعِي أَيَّ وَثِيقَةٍ تُثْبِتُ شَخْصِيَّتِي، اِتَّصَلْتُ بِأَهْلِي تِلِيفُونِيًّا، فَلَمَّا حَضَرُوا لَمْ يَعْرِفُونِي لأَوَّلِ وَهْلَةٍ، حَمَلُونِي إِلَى أَوَّلِ مَشْفَى، بَقِيتُ

<<  <   >  >>