خامساً: أهل الشام ميزان يوزن به صلاح الأمة وفسادها، وإذا أردنا الآن أن نحكم أن هذا الأمة أمة صالحة أم فاسدة فإن ميزان ذلك وضابطه النظر إلى أهل الشام، هل هم صالحون أم أهل فساد وضلال؟ فإذا كان الحكم أنهم من أهل الصلاح كانت الأمة صالحة، وإذا كان عكس ذلك فالأمة عكس ذلك، فالنبي عليه الصلاة والسلام جعل المعيار الذي يعرف به صلاح الأمة من فسادها هو النظر إلى أهل الشام.
فعن معاوية بن قرة عن أبيه قال: قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم)، يعني: يا معشر الأمة! وقال: (لا تزال طائفة من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة)، إشارة من النبي عليه الصلاة والسلام أن جموع الطائفة المنصورة المجاهدة المقاتلة العالمة الداعية الآمرة بالمعروف والناهية عن المنكر جموعها في أرض الشام، وهذا لا ينفي أن يكون بعض هذه الطائفة في غير بلاد الشام في جموع الأرض كلها، وقد اختلف أهل العلم في هذه الطائفة المنصورة من هم؟ فقيل: هم أهل الحديث، وقيل: أهل العلم كافة، وقيل: هم المجاهدون، وقيل: هم الآمرون بالمعروف الناهون عن المنكر، ولا مانع عندي أن تكون الطائفة المنصورة هي من مجموع أولئك جميعاً.
وقد وردت نصوص عن الإمام أحمد وغيره أن الطائفة المنصورة هي طائفة أهل الحديث، فالطائفة المنصورة في زمانه كانت هي أهل الحديث حقيقة، لكن هل يلزم من ذلك أن يكونوا هم أهل الحديث في كل زمان ومكان؟ عندي أنه لا يلزم ذلك، بل ربما تكون الطائفة المنصورة من الحراس، والزراع، والصناع، والتجار، في شرق الأرض وغربها ما داموا عاملين بالكتاب والسنة، داعين إلى الكتاب والسنة، منافحين مدافعين إلى آخر قطرة ونفس عن الكتاب والسنة، وعن دينهم وشريعة ربهم، فلا مانع عندي أن يكونوا هم من الطائفة المنصورة، فأهل الشام هم ميزان قسط لأهل الإسلام، وأمة الإسلام، وكذلك تعرف أمة الإسلام بمدى قربها أو بعدها عن دينها بالنظر إلى أهل الشام، فكلما كان أهل الشام أكثر قرباً من دينهم وأكثر تمسكاً به كانت أمة الإسلام بخير، والعكس بالعكس.