الصفة السادسة: ومن صفات هذه الطائفة كذلك الصبر على ما يصيبها من أعدائها، والصبر أنواع، وفي ميادين شتى، فمنه الشدة والتضييق، فقد ذكر النبي عليه الصلاة والسلام أن طائفة أهل الحق ستتعرض للتضييق والتشديد، كما جاء في حديث أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي عليه الصلاة والسلام قال:(لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين -منصورين مرفوعين رايتهم عالية- لعدوهم قاهرين لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من اللأواء -أي: الشدة والعنت- حتى يأتي أمر الله وهم كذلك)، يعني: وهم صابرون، محتسبون، مجاهدون، لا يضرهم من خالفهم، ولا من اشتد عليهم، والشدة هي ما يتعرض له أهل الإيمان، وأهل العلم والتوحيد في بلادهم وفي غير بلادهم.
ومما يصيب هذه الطائفة من أعدائها الخذلان والمخالفة، فلا تجد رجلاً يدعو إلى السنة إلا وفي مقابله من أبناء الملة مئات يدعون إلى البدع، وهذه سنة، والنبي عليه الصلاة والسلام ما دعا بدعوة ولا أمر بأمر، أو نهى نهياً إلا ووراءه صناديد الشرك يقولون: لا تصدقوه إنه كذاب، لكن العجيب أن يكون من أبناء الأمة من يخذل، ومن يكذب الحق، ومن يدعو إلى الباطل في شرق الأرض وغربها، فأصحاب البدع، وأصحاب الأهواء، والشبهات، والشهوات، هؤلاء هم المخذلون، وإن شئت فقل: هذا هو العدو الداخلي الذي هو منسوب إلى ملتي، يتكلم بلساني، ويدعو -للأسف- بدعوتي، وليس مني ولست منه في حقيقة الأمر، فلابد أن أهل الحق يصبرون على هؤلاء، كما قال الله تعالى:{وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا}[الفرقان:٥٢]، فجهاد أهل البدع بالكلمة والبيان، وجهاد الأعداء والكفار بالسيف والسنان، وهذا ما قرره أهل العلم.
والمناوأة: هي المعارضة من قبل الأعداء أو من قبل أصحاب الأهواء والشبهات والشهوات، فهناك أسلحة كثيرة جداً يستعملها هؤلاء الأعداء في الداخل والخارج، وهي سلاح المخالفة، وسلاح الخذلان، وسلاح المناوأة والعداء، وسلاح الأذى والتضييق، يستعملون جميع هذه الأسلحة بما يتناسب مع تحقيق أهدافهم البعيدة عن مرضاة الله عز وجل، وبما يوافق هواهم وشهواتهم، ولذلك فإن صلتهم بالقرآن وأحكامه وتعليماته خاطئة، وعلاقتهم به مهزوزة، كما كان يفعل اليهود في تعاملهم مع التوراة ومع أنبيائهم.
إذاً: فطائفة أهل الحق تواجه حملة من الأذى باتجاهين، إلا أن الله تعالى وعدها على لسان النبي صلى الله عليه وسلم بأنها ستبقى ظاهرة على هؤلاء، وهذه بشارة عظيمة، فمهما طال الليل فلابد من بزوغ الفجر، وهذه سنة الله تبارك وتعالى، ولابد من وجود الشر وإلا لم يشعر أهل الحق بالحق الذي هم عليه، ولابد من وجود الشر وإلا فلماذا خلق الله إبليس؟! فوجود الشر فيه حكم عظيمة جداً، منها: أن يتمسك أهل الحق بما هم عليه من حق، وأن يدافعوا عنه حتى آخر لحظة من حياتهم أو من حياة هذه الدنيا، لأنه صلى الله عليه وسلم قال:(لا تزال طائفة) يعني: ثلة قليلة من أهل الإيمان، ثم أثبت أنها قائمة على الحق وبأمر الله لا يضرها المخالفة ولا العداء، (حتى يأتي أمر الله) أي: حتى تقوم الساعة (وهم على ذلك) ولذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام: (وهم كالإناء بين الأكلة)، الإناء واحد والأكلة كثر، وهكذا أصحاب الحق قليل وأصاحب الباطل كثير، لكن لا خير فيهم، ولا خوف منهم.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الناس كالإبل المائة لا تكاد تجد فيها راحلة) واحدة من هذه الإبل تصلح للحمل عليها، لا تكاد تجد راحلة من كل مائة بعير، واحد يصلح للمهمة والحمل على ظهره، وفي هذا المعنى يقول الله تعالى:{كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ}[البقرة:٢٤٩]، وهذا شيء مقرر في عقيدة المسلمين، ولذلك الله تعالى ما أمرنا أن نعد لهم بمثل ما أعدوا لنا، وإنما قال:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ}[الأنفال:٦٠] أي: على قدر استطاعتكم، التماس للأسباب فقط، والنصر من عند الله عز وجل، ((إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ)) بالإيمان والتوحيد والعبادة والعلم والعمل، {يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}[محمد:٧]، هذه سنة الله تبارك وتعالى.
والنصر من عند الله لا من عند الخلق، ليس بكثرة العدد وإن كان إعداد العدة هو عين الأسباب التي أمر الله عز وجل بها، ولذلك العلماء يقولون: الاعتماد على السبب شرك بالله عز وجل، وترك الأسباب قدح في التوحيد، وهنا الله تعالى يقول:{كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً}[البقرة:٢٤٩]، ليست مرة أو مرتين، بل هذا أمر قائم في الأمة منذ أن خلق الله تعالى الخلق إلى قيام الساعة، ((كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ)) بفضل الله تعالى ثم بفضل إيمانها {غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً}[البقرة:٢٤٩] عدداً وعدة، وقال: {وَلا تَه