وتبقى النصيحة العظمى لعلماء الإسلام الذين هم القادة: أن يتقوا الله عز وجل، ويعلموا أن مهمتهم عظيمة، والأمانة في أعناقكم -يا معاشر العلماء- ثقيلة، ولا يسعكم السكوت في معارك الإسلام الخطيرة، فاصدعوا بالحق، وقد أخذ الله عليكم الميثاق لتبيننه للناس ولا تكتمونه، يا علماء الإسلام! معاذ الله أن تكونوا كأحبار السوء من بني إسرائيل حين حرفوا الكلم عن مواضعه، وزيفوا دين الله على عباده، بل من غرائب المفارقات أن ينفخ أحبار السوء في أقوامهم كل معاني الاستطالة والاستعلاء بالباطل، ثم نجد من علماء الإسلام من يشيع في أمته الاستخزاء والتخاذل بسوء الإفتاء أو التأويل، ويسمعون في القرآن العظيم:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[الأنفال:٢٧].
يا علماء الإسلام! احذروا أن تخدعكم السياسة بأهوائها الطامسة الدامسة، واحذوا الحرص على الكراسي والمناصب، بل أصلحوا أنتم الساسة وهذه الكراسي والمناصب بهدي القرآن العظيم، وطالبوها أن تسعى هي في رحابه خاضعة النفس والرأس، ولا تستنزلوا كتاب ربكم من أفقه الأسمى إلى الحضيض البغيض، واذكروا وذكروا أمتكم كذلك قول رب العالمين في ختام سورة القتال:{فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ}[محمد:٣٥]، واذكروا نذيره الصارم في ختام السورة نفسها:{وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ}[محمد:٣٨].
ثم اذكروا أيها العلماء السادة وذكروا أمتكم في شرق الأرض وغربها في ظلمات هذه الأحداث وتداعي الأعداء ببشرى ربكم ووعده للعاملين المؤمنين بكتابه وسنة نبيه بنصره الذي يؤتيه من يشاء؛ لأنه بيده مقاليد السماوات والأرض وله القوة جميعاً، وكفار الأرض كلهم لا يسبقونه بالقول ولا يعجزونه، وهو القائل سبحانه:{وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ}[آل عمران:١٢٠]، وقال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}[محمد:٧]، فالتثبيت أولى من النصر، فكم من إنسان وكم من قوم انتصروا ولما تركوا الكتاب والسنة أبدل الله تبارك وتعالى بهذا النصر هزيمة ساحقة، فلابد من الثبات على كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام.
هذا ما أراد الدعاة في هذا المكان وكل الدعاة المخلصين في شرق الأرض وغربها منهم من هاتفنا، ومنهم من راسلنا.
وأقول كذلك: هذه التوصيات إنما هي توصيات القائمين على العمل في هذا المكان المبارك سائلين الله تعالى أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال والأقوال.