الحادي عشر: كثرة شهداء الشام وفضلهم العظيم عند الله، يعني: معظم الشهداء يكونون على أرض الشام، ولذلك روى أبو عسيب مولى النبي عليه الصلاة والسلام عنه عليه الصلاة والسلام قال:(أتاني جبريل بالحمى والطاعون، فكانت الحمى في المدينة والطاعون في الشام)، والكثير يسمع عن طاعون عمواس، فأرض الشام أرض طاعون، ولذلك الطاعون شهادة، قال النبي عليه الصلاة والسلام:(ما تعدون الشهيد فيكم؟ قالوا: الشهيد -يا رسول الله- من قتل في الجهاد، قال: إذاً شهداء أمتي قليل، المبطون شهيد -الذي مات بمرض بسبب بطنه- والمطعون شهيد -الذي مات بالطاعون- والغريق شهيد، وصاحب الهدم، وصاحبة الجنب شهيد) أي: التي ماتت بسبب الولادة أو ماتت في مدة نفاسها، فعدد النبي عليه الصلاة والسلام بعض أصناف الشهادة، فالطاعون شهادة مات به الألوف المؤلفة من أهل الشام في طاعون عمواس، وهذا دليل شرف وفضل لهذه الأرض ولأهلها؛ لأنها أرض الشهادة، فأسكن الله تعالى الطاعون في بلاد الشام ليكثر الشهداء، وليرفع درجاتهم، ويزكي أعمالهم، ولقد توفي في طاعون عمواس هذا أمين هذا الأمة أبو عبيدة بن الجراح، ومعاذ بن جبل، وشرحبيل بن حسنة، وآلاف من الأخيار من الصحابة والتابعين وغيرهم.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت النبي عليه الصلاة والسلام يقول: (لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالأعماق أو بدابق فيخرج إليهم جيش من المدينة من خيار أهل الأرض، فإذا تصافوا) أي: وقف جيش الإيمان في مقابلة جيش الكفر (قالت الروم: خلوا بيننا وبين من سبوا منا -يعني: أخذوا منا سبايانا- نقاتلهم، فيقول المسلمون: لا -والله- لا نخلي بينكم وبين إخواننا، فيقاتلونهم فينهزم ثلث الجيش، لا يتوب الله عليهم أبداً، ويقتل ثلث هم أفضل الشهداء عند الله، كأن الشام تنفي خبثها كما تنفي النار خبث الحديد) إلى آخر الحديث.
وقال النبي عليه الصلاة والسلام:(والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون).
وقال النبي عليه الصلاة والسلام في حديث أبي الدرداء:(فسطاط المسلمين يوم الملحمة)، أي: في يوم الملحمة الكبرى التي يسميها الآن اليهود والنصارى: معركة هرمجدون، ولعلكم تسمعون بهذه المعركة، والنبي عليه الصلاة والسلام أسماها الملحمة الكبرى، واليهود والنصارى وبعض من يحلو له أن يردد مصطلح اليهود والنصارى في كتبه ومحاضرته ومقالاته يقول: معركة هرمجدون، ومجدو: اسم قرية في الشام تبعد عن تل أبيب حوالي خمسة عشر ميلاً، هذه الأرض اليهود يعلمون أن المعركة الحاسمة والملحمة الكبرى بينهم وبين المسلمين في آخر الزمان إنما تكون في هذه الأرض، في أرض مجدو، أو في قرية مجدو، أو في جبل مجدو، وهي التي يعبر عنها اليهود والنصارى بمعركة هرمجدون.
أما النصوص فتقول: هي المعركة الكبرى أو الملحمة الكبرى، والله تعالى يكتب فيها النصر والتأييد لأهل الإيمان، ويقتلون من اليهود مقتلة عظيمة جداً، فيفرون ويتيهون في سائر بقاع الأرض كما تاهوا فيها في زمن موسى عليه السلام، وهذه بشارات عظيمة جداً، وأن النصر والتأييد والفوز والفلاح والسؤدد والريادة لأهل الإيمان والإسلام، لكن القضية الآن أنه لا يهزم اثنا عشر ألفاً من قلة، وجيوش المسلمين تبلغ ملايين الناس.
لكن أين الاثنا عشر ألفاً بشروطهم، الذين لا يهزمهم جيش؟! والنبي عليه الصلاة والسلام قال:(إذا صلى أربعون من أهل الإيمان على رجل شفعهم الله فيه)، لم يقل: أربعون فقط، أو مائة فقط، بل حدد لهم شروطاً: أن يكونوا من أهل الإيمان والتوحيد، لا يشركون بالله عز وجل في قول ولا فعل، وإذا نظرت إلى جموع الآلاف الذين يصلون على جنائز المسلمين نظرت في نفسك فارتد إليك بصرك وعقلك مرة أخرى هل في هؤلاء -وأنا منهم- أربعون موحدون؟ فليست العبرة بالعدد، وكم من جماعة قامت على العدد فلم يغن عنها العدد شيئاً، فيها كل البلايا والطامات.
الاهتمام بتربية النشء المسلم، والفرد المسلم على كتاب الله وصحيح سنة النبي عليه الصلاة والسلام إنما هو المنهج الأمثل، بل هو المنهج الأوحد الذي يرجى من ورائه الخير، بل لو تربى المرء على هذا المنهج الذي عبر عنه السابقون واللاحقون بالتصفية والتربية، تصفية العلم والسنة وكتب التاريخ والتراث مما علق بها من إسرائيليات وخرافات وأحاديث باطلة ضعيفة، وتربت الأجيال بعد ذلك على هذا المنهج المصفى لكان هذا هو النعيم بعينه، وكان هذا هو الخير كله، ولا خير في الأمة إلا بهذا المنهج.
قال النبي عليه الصلاة والسلام:(فسطاط المسلمين يوم الملحمة بالغوطة إلى جانب مدينة يقال لها: دمشق)، إذاً: الملحمة الكبرى ستكون على أرض كانت تسمى في زمان النبي عليه الصلاة والسلام الغوطة، ولا يزال اسمها معروفاً إلى الآن بالغوطة، يسمونها: غوطة دمشق، وهي قرية قريبة من دمشق.