ولكننا نراها، ولا أحد ينكر هذا، تقوم بهذه المهمات دون إهمال ولا إرجاء حتى يكتمل إمكانها، نراها منذ اللحظة الأولى، وبالإمكان البسيط الذي بيدها في تلك اللحظة، وكأنها قادرة على كل شيء، وإذا بها تنفذ فعلاً كل خططها في كل المجالات، كأنما معامل ضرب Coefficient تدخّل في فعالية وسائلها البسيطة، فجعلها كافية لإنجاز المهمات من ناحية وجعلها تكتمل في آن واحد من ناحية أخرى.
يجدر بنا إذن، أن نقف عند هذا المعامل المضاعف، بوصفه شيئاً أساسياً في سر عمليات الإنجاز، فلا تتوقف هذه العمليات على شروط مادية مفرطة، كأنما تخلص إنجازها من شرط الإمكان.
نرى هذه الظاهرة أيضاً في عالمنا الحديث، فنرى دولة محطمة مثل ألمانيا تعيد بناءها من نقطة الصفر، أي بلا إمكان يعد بالنسبة إلى ما أنجز فعلاً.
وهنا أيضا نرى تدخل معامل مضاعف للإمكان، جعله منذ اللحظة الأولى في مستوى المهمات المنجزة. فهذا المعامل المضاعف هو الإرادة الحضارية بالذات، حتى إنه لو فقد في نشاط مجتمع، نراه وكأنما تجمدت وسائله مهما كان كلّها، وكأنما تعطل إمكانه مهما كان حجمه المادي.
فالعلاقة النسبية بين الإمكان الحضاري والإرادة الحضارية علاقة سببية، تضع (الإرادة) في رتبة السبب بالنسبة للإمكان.
ولو عدنا إلى عالم الاقتصاد بهذه الاعتبارات، فإننا لا نراه عالم الكميات وعالم الأرقام إلا في الرتبة الثانية، أي بعدما تبعث فيه الإرادة الحضارية الحركة والحياة.
وإنما تتدخل الكميات والأرقام عندما تنطلق عمليات الإنجاز، ويتطلب إنجازها إشرافاً وتنظيما ورقابة، أي بقدر ما يكتمل الإمكان.