أجل تصحيح خطأ أو تدارك إسراف، بينما نرى أوطاناً متخلفة يعتري مسؤوليها ومثقفيها الخجل إذا ما سمعوا كلمة عن ضرورة تلافي تفريط أو إفراط، كأنهم من القوم الذين يشير إليهم القرآن الكريم:{كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ}[المائدة ٥/ ٧٩].
فاليوم نرى كثيراً من إخواننا في البلاد العربية الإسلامية يسمون المراجعة رجعية، دون أن يشعروا بأن تقدميتهم شاخت وهرمت، قد أكل عليها الدهر وشرب، لأنها فقدت ثقة الناس في مهدها، في البلاد الغربية.
بينما الأوطان العربية والإسلامية على العموم، أحوج من غيرها إلى إعادة النظر في اقتصادها حتى لا تتبع قدوة أوربا القرن التاسع عشر، ثم تكتشف خطأها بعد قرن، لتعود مرة أخرى، بعد قرن، لقدوة أوربا القرن العشرين.
يجب على البلاد العربية بوجه خاص أن تعيد النظر في تنظيم حياتها الاقتصادية، على شروط تحقيق حلقة اقتصادية كاملة داخل حدودها، متخذة أساساً شروط الاستثمار الاجتماعي التي قدمناها في صورة مسلمتين ربما يكون تطبيقهما في حدود الوطن الواحد، على درجة من الصعوبة، ولكنها تنخفض بمقدار ما تتسع رقعة التطبيق.
فأمريكا لا تستطيع تحقيق شروط الحلقة الاقتصادية الكاملة بنسبة ٩٥% لو افترضنا أنها فقدت بعض ولاياتها: فأي تغيير في الخريطة الطبيعية- الإسكانية لوطن يغير قطعاً شروط تطبيق المسلمتين: ١) كل فم يأكل و ٢) كل ساعد يعمل.
وإذن التغيير يحدث إلى أسوأ (حسب فرضنا بخصوص أمريكا) فإنه يحدث إلى أحسن حسب فرض مناقض، مثلاً بالنسبة إلى الرقعة العربية إذا ما توحدت وبقدر ما تتوحد هذه الرقعة أي بقدر ما تجمّع إمكانياتها وحاجاتها.