ولكن قضية مثل هذه لا يمكن الفصل فيها بالارتجال وإنما بالدراسة على الخريطة.
إن ليبيا، على سبيل المثال، لها متسع من التراب، ومصر لديها فائض من العدة البشرية، وللكويت فائض من المال المعطل؛ فلو اجتمعت هذه العوامل الثلاثة في خطة تجريبية لأدرك العالم العربي كله أن شروط الإقلاع والاكتفاء الذاتي هي تحت يده، عندما يريد النهوض الاقتصادي بتعميم التجربة الثلاثية التي أشرنا إليها، حتى تصير هذه التجربة لبنة عربية في أساس الحضارة الإسلامية الجديدة.
إن العالم العربي يتمتع بإمكانيات اقتصادية مهملة، مثل هذه الأراضي التي أنبتت الحضارة الإنسانية الأولى على ضفتي الدجلة والفرات، حيث ترعرعت أيضاً الحضارة الإسلامية الأولى بفضل الخيرات التي كان يمدها بها، منذ خلافة عمر رضي الله تعالى عنه، التراب المطعم بطمي الآلاف من السنين، ذلك (السواد) الذي عاد مرة أخرى مستنقعات تنبت الحمى، بعد أن كان ينبت الأقوات.
إن في استطاعة العالم العربي أن يعيد للتراب وظيفته الاقتصادية، وذلك منذ اليوم، بوسائله الموجودة بيده منذ الآن، حتى في الميدان الفني إذا قرر من ناحية أخرى استعادة العقول العربية المغتربة لأسباب مختلفة، منها الأسباب الثقافية التي تتصل بفقدان المسوغات الكفيلة بشد العزائم ورفع الهمم، إلى مستوى المسؤوليات المنوطة بالعلماء والمثقفين، في نطاق مشروع شامل تتحد فيه الأيدي والعقول والأموال في الرقعة العربية، أو في أكبر جزء ممكن منها بقدر ما تكتمل فيه شروط الاقتصاد التكاملي، حتى يستأنس الناس، والقادة بوجه خاص، بأن الأوطان التي لا تستطيع مواجهة الظروف الاقتصادية العالمية بمفردها، تستطيع الصمود لها والنمو، إذا تكاتفت عقولها وأيديها وأموالها في ورشة عمل مشترك من أجل اقتصاد متحرر لا يخضع لضغط خارجي.