إن من فضائل أبي بكر ما علم عنه من زهد وجود رضي الله عنه وأرضاه؛ فهو الذي أنفق ماله كله على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى الدعوة إلى الله جل في علاه.
وكان من أزهد الناس وأتقى الناس، وقد حصل أن عبداً له كان يعمل في الخراج، والعبد إذا كان في يد السيد فكل عمل يستجلب منه مالاً فهذا المال يكون لسيده، فكان أبو بكر يأخذ عامله بيده ويقول له: من أين اكتسبت هذا المال؟ وفي ذات مرة نسي أبو بكر أن يسأل هذا العبد: من أين أتيت بهذا المال؟ فقال العبد: بعدما أخذ أبو بكر المال وأكل منه: لم لم تسألني من أين اكتسبت هذا المال؟ فقال: من أين اكتسبته؟ فقال العبد: هذه كهانة كنت قد تكهنتها في الجاهلية، أي: ادعى العلم بالغيب زوراً وبهتاناً، ولأجله أخذ المال، فأكل أبو بكر من ذلك المال، فانظروا إلى أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه، وإلى ورعه وتقواه لله جل في علاه هنا، مع أن القاعدة تقول: إن الإثم مرفوع عن المكره وعن المخطئ وعن الناسي الذي لا يعلم، وقد قال الله تعالى:{لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}[البقرة:٢٨٦]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:(رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)، وأبو بكر لم يكن يعلم أن هذا المال من حرام وظنه حلالاً، لكن ورعاً وتقوى من أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه أدخل إصبعه في فيه حتى استقاء كل ما في بطنه؛ خشية منه أن يدخل درهماً حراماً في جوفه رضي الله عنه وأرضاه! وصدق عبد الرحمن بن عوف إذ يقول: لو وضع إيمان الأمة -ليس فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم- في كفة، ووضع إيمان أبي بكر في كفة لرجحت كفة أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه.