للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الأحاديث الصحاح في فضائل علي بن أبي طالب]

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.

ما زلنا مع الشموع المضيئة ومع الأقمار المستنيرة مع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ملكهم الله رقاب الدنيا بأسرها في مدة وجيزة من عمر الزمن، الذين اختارهم الله على علم عنده، الذين نظر في قلوبهم فوجدهم أبر الناس قلوباً، وأعمق الناس علماً، وأفضل الناس خلقاً، نحن اليوم مع فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه.

قال سهل بن سعد: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، يفتح الله على يديه، فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها، فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يرجو أن يعطاها، فقال: أين علي بن أبي طالب؟ فقالوا: يشتكي عينيه يا رسول الله، قال: فأرسلوا إليه، فأتي به فلما جاء بصق في عينه فدعا له فبرئ كأن لم يكن به وجع)، وهذه معجزة من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه لفتة بأن الله جل وعلا ما فضل نبياً بشيء إلا وأعطى نصيباً من هذا الفضل للنبي صلى الله عليه وسلم، فإن الذي كان يبرئ بالمسح هو عيسى عليه السلام، فالله فضل محمد بنفس صفة من صفات عيسى عليه السلام، أيضاً يوسف أعطي شطر الجمال، وكان النبي صلى الله عليه وسلم كما قال القائل: (كنت أنظر إلى وجه رسول الله وأنظر إلى القمر، فلوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم أجمل من القمر)، وأيضاً موسى عليه السلام كانت أكبر المعجزات التي حباه الله إياها هي أن يلقي العصا فتتحول حية، ورسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ خشبة ثم هزها فتحولت سيفاً حديداً غليظاً جداً، وأيضاً والله جل وعلا كلم موسى وكلم النبي صلى الله عليه وسلم، وكما رفع الله عيسى إلى السماء الدنيا فإن الله عرج بمحمد صلى الله عليه وسلم إلى السماء السابعة.

فقال علي: (يا رسول الله! أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟ فقال: انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام)، وهذا واجب على كل مجاهد ألا يقاتل الكافر حتى يدعوه إلى الإسلام، فإن أبى الإسلام يدعوه إلى الجزية وإلا فالقتال، قال: (ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه، فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم)، وهذه فيها دلالة على فضل الدعاة وفضل العلماء الذين يهتدي بهم الأمم.

والطريف في هذه القصة أن عمر بن الخطاب اشربت عنقه للولاية؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله)، والنبي صلى الله عليه وسلم صح عنه حديث عجيب جداً، وهو قوله: (الخائن عندنا من طلب العمل) يعني: من طلب إمارة أو إمامة أو طلب مسئولية أو طلب ولاية فهذا من أخون الناس، كما قاله النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا له تفسير، إما أنه سيكون من أخون الناس؛ لأنه سيوكل إلى نفسه، وإما أن يكون هناك وحي من الله أن الذي يطلب الإمارة لا يعان عليها فيصبح من أخون الناس؛ لأنه سيضيع هذه الإمارة؛ والأحاديث الأخرى تفسر هذا، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال لـ أبي ذر: (لا تطلبن الإمارة)، وفي الحديث الآخر قال: (من لم يطلبها أو جاءته من غير طلب أعين عليها، ومن طلبها وكل إلى نفسه) فهنا عمر بن الخطاب يقول: أنا ما طلبتها من أجل أنها إمارة، بل طلبتها لأنها شهادة من النبي صلى الله عليه وسلم بما وقر في القلب وهو حب الله وحب رسوله صلى الله عليه وسلم.

وفي الحديث المتفق عليه عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وأرضاه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـ علي: (أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى)، وهذا فضل كبير لـ علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه إذ إن النبي صلى الله عليه وسلم أنزله بمنزلة هارون من موسى، وهارون كان نبياً، وفي بعض الروايات: (ولكنه لا نبي بعدي)، ولا غرو فإن علي بن أبي طالب هو أول الذين أسلموا لله رب العالمين، لم يشرب خمراً، ولم يعبد صنماً، ولم يفعل فاحشة قط، فهو مسلم منذ الصغر، وقد اختلف العلماء هل أسلم علي قبل الصديق أم الصديق هو الذي أسلم أولاً؟ فجمع بعض العلماء بين القولين وقال: أول الرجال إسلاماً هو أبو بكر، وأول النساء إسلاماً خديجة، وأول الأطفال إسلاماً علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه.

وقال رجل لـ سهل بن سعد: هذا أمير المدينة يذكر علياً عند المنبر، يعني: يسب علياً في هذه المعضلة التي حدثت بينه وبين معاوية، وخاب وخسر من فعل ذلك، وقد قدح في دينه من يتجرأ على علي بن أبي طالب أو يتجرأ على معاوية أو يتجرأ على أحد من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، فكان يقول على المنبر: أبو تراب فضحك سهل فقال: والله ما سماه بذلك إلا النبي صلى الله عليه وسلم، يعني: كأنه كان يسخر من هذه الكنية، والنبي صلى الله عليه وسلم هو الذي كناه بـ أبي تراب، فضحك سهل وقال: والله ما سماه إلا النبي، وما كان له اسم أحب إليه منه، دخل علي على فاطمة رضي الله عنها ثم خرج مغضباً، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم على فاطمة وقال: (أين ابن عمك؟) انظروا إلى فقه التعامل! النبي صلى الله عليه وسلم يدخل على ابنته وهو يعلم أن هناك مغاضبة حصلت بين علي وفاطمة، فيقول لها: (أين ابن عمك؟) يعني: هذا دمك هذا لحمك هذا قريب منك، حتى ولو حدث بينك وبينه شيء فلا يكونن في قلبك منه شيء، فقال: (أين ابن عمك؟ فقالت: في المسجد، فخرج إليه فوجد رداءه قد سقط عن ظهره والتراب في ظهره، فجعل يمسح التراب عن ظهره ويقول: اجلس أبا تراب! اجلس أبا تراب)! وفي البخاري عن عبيدة السلماني عن علي بن أبي طالب أنه قال: اقضوا كما كنتم تقضون، فإني أكره الاختلاف حتى يكون للناس جماعة فأموت كما مات أصحابي، فكان يرى أن عامة ما يروى عن علي كذب.

فالرافضة أشاعوا الكذب، قال الشافعي: أكذب أهل الأرض هم الرافضة، وقال: ما رأيت أحداً أكذب من الرافضة، وأشهر الأحاديث التي وضعوها على علي هي: (خلقت أنا وعلي من نور على يمين عرش الرحمن)، وأيضاً: (أنا مدينة العلم وعلي بابها) وغيرها من الأحاديث المكذوبة على النبي صلى الله عليه وسلم في فضائل علي، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: أكثر من جاءت فيه أحاديث في الفضائل من الصحابة هو علي بن أبي طالب، فهو مستغن عن أن يضعوا له الأحاديث.

<<  <  ج: ص:  >  >>