أختم بموت عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه، يروى أنه لما حضرت وفاته قال لابنه عبد الله ورأسه في حجره: ضع خدي في الأرض، فقال: يا أبتاه: إن خدك من الأرض لقريب، فهو على فخذ ابن عمر فقال: ضع خدي بالأرض لا أم لك، فوضع خده بالأرض، ثم قال: ويل لـ عمر، ويل لـ عمر، وفي رواية أخرى قال: ويلي وويل أمي إن لم يرحمني ربي، وقال: ويل لـ عمر إن لم يغفر الله له ثلاث مرات، فقام رجل من القوم فقال: تقدم -والله- يا أمير المؤمنين على ما يسرك وتقر به عينك، فقال: وما يدريك ويحك، فقال ابن عباس: وما لك لا تدري وقد عشت حميداً، وذهبت فقيداً أي: شهيداً، وعملت بالحق؟! فقال عمر للقوم: أتعرفون ما قال ابن عباس؟ قالوا: نعم، قال: لو احتجت إلى شهادتكم عند ربي أكنتم تشهدون لي بما قال؟ قالوا: اللهم نعم، فرفع ثم قال: الله أكبر! الله أكبر! الله أكبر! ثم قال: يا عبد الله! ائت عائشة وقل لها: إن عمر يقرئك السلام، ويقول لك: إنا قد نهينا أن ندخل بيوتكن إلا بإذن، أفتأذني لي أن أدفن في بيتك مع صاحبي؟ فقال عبد الله: فأتيتها فقلت لها ذلك فبكت حتى علا بكاؤها، ثم قالت: نعم والله! ما كنت أعددته إلا لي ولأوثرنه به على نفسي.
قال: فأتيته وأخبرته.
فقال: يا بني! إني أرى المرأة أذنت لنا وهي ترى أني حي، فإذا مت فاغسلني وكفني فإذا حملتني فتقدم السرير ثم قل لها: هذا عمر يستأذن على الباب فإن أذنت لي فادفني مع صاحبيَّ، وإن أبت فأخرجني إلى البقيع.
وختاماً نقول: إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه الوزير الثاني لرسول الله صلى الله عليه وسلم، قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم عندما رآه ورأى أبا بكر:(هذان سيدا كهول أهل الجنة) رضي الله عنهما.
قال عبد الله بن مسعود: كان إسلام عمر فتحاً، وكانت هجرته نصراً، وكانت خلافته رحمة.
ويروى أن رجلاً قال لـ عمر جزاك الله عن الإسلام خيراً.
قال: بل جزى الله عني الإسلام خيراً.
انظروا إلى من يرى نعائم الله ويضعها في موضعها، والله لو بقينا ليل نهار نلهج بذكر الله وبحمد الله على نعمة الإسلام ما وفينا هذه النعمة.
قال بعضهم: قلت لـ ابن عباس: صف لي عمر بن الخطاب فقال: كان عمر كالطير الحذر، قد علم أنه قد نصب له في كل وجه شرك، كان يعمل لكل يوم بما فيه؛ لأن الشيطان لا يتركه، فالشيطان في كل مرصد يقعد له، وكان يعمل لكل يوم بما فيه كأنه في حلبة السباق رضي الله عنه.