أختم بأمر كان الصحابة يعتادونه دائماً وليتنا نفعل به، فقد صدقوا قول الله تعالى وعملوا به بعدما سمعوه قال تعالى:{وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ}[المطففين:٢٦]، فكان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يتركون شاردة ولا واردة ولا شاذة ولا فاذة تقربهم من الله وتسرع بهم إلى ربهم إلا وسارعوا إليها، فهذه همة عالية تعلو قمم الجبال، عانقوا السماء بهذه الهمم! أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه كان يتنافس مع الصحابة في المسارعة والمسابقة إلى الله، وكان عمر ما ينظر إلا لمن هو أعلى منه عملاً بحديث النبي صلى الله عليه وسلم حيث نصح أبا موسى الأشعري عندما قال:(أما في الدين فانظر إلى من فوقك، وأما في الدنيا فانظر إلى من تحتك)؛ لأنك إذا نظرت إلى من تحتك في الدنيا حمدت الله على هذه النعمة التي أنت فيها، لكن لو نظرت إلى من هو فوقك في الدنيا ازدريت نعمة الله عليك، وإذا نظرت لأهل الدين من فوقك علت همتك، لم يكون هذا مع رسول الله ولم يتخلف في الدرجة التي تكون أسفلها؟ لم لا أكون مثله؟! لم لا أسارع كما يسارع؟! هذا الذي جعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه يسابق أبا بكر، فكان دائماً لا يسابق أبا بكر إلا ويسبقه أبو بكر، ففي ذات مرة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحابة بالنفقة؛ فجاء كل واحد بماله الذي تصدق به، وجاء عمر بشطر ماله ليسبق الجميع فقال:(يا رسول الله! هذا شطر مالي.
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: وما أبقيت لأهلك؟ قال: أبقيت لهم مثله) فابتسم رسول الله وأثنى عليه ثناءً حسناً، وقال عمر: اليوم أسبق أبا بكر ما من أحد قدم مثلما قدم، فجاء الفقيه الأريب اللبيب، جاء الصاحب الكريم، جاء الجليل، جاء الذي خاطبه الله جل وعلا معظماً مجللاً عندما قال له:{وَلا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ}[النور:٢٢](جاء أبو بكر بماله كله فوضعه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا أبا بكر! ما تركت لأهلك؟) انظروا إلى اليقين! انظروا إلى الفقه! انظروا إلى السبق! فقال: (تركت لهم الله ورسوله).
ولذلك استنبط العلماء فقالوا: من بلغ إيمانه إيمان أبي بكر فليفعل ما فعل أبو بكر.
وإن شاء الله في الكلمات القادمة نتكلم عن أبي بكر في فضائله، وفي مواقفه الإيمانية، حتى نأتسي بهذا الرجل العظيم الذكي النقي ونحذو حذوه.