عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: انصرف الزبير يوم الجمل عن علي فلقيه ابنه عبد الله بن الزبير، فقال: جبناً؟!! فـ الزبير تراجع لما التقى بـ علي فقال له علي: تذكر يوم كذا حينما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (تحبه؟ فقلت: نعم أحبه، فقال: ستقاتله وأنت له ظالم)، فكأن الزبير لم يسمع ذلك إلا يوم الجمل، وذكره بذلك علي بن أبي طالب، فقال الزبير عندما قال له ولده عبد الله: تتراجع جبناً؟ قال: قد علم الناس أني لست بجبان، ولكن ذكرني علي شيئاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحلفت ألا أقاتله، ثم قال: ترك الأمور التي أخشى عواقبها في الله أحسن في الدنيا وفي الدين فلما رجع الزبير متوجهاً إلى المدينة لحقه ابن جرموز بوادي السباع فقتله وهو يصلي، فلما جيء به مقتولاً بكى علي بن أبي طالب وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن قاتل الزبير في النار).
وعن هشام بن عروة عن أبيه عن الزبير قال: لقيت يوم بدر عبيدة بن سعيد بن العاص وهو مدجج لا يرى إلا عيناه، فكان يكنى أبا ذات الكرش، فحملت عليه بالعنزة فطعنته في عينه فمات، فأخبرت أن الزبير قال: لقد وضعت رجلي عليه ثم تمطيت فكان الجهد أن نزعتها -يعني: الحربة- فلقد انثنى طرفاها.
قتل رضي الله عنه وأرضاه سنة ست وثلاثين وله بضع وخمسون سنة.
قال علي بن المديني: سمعت سفيان يقول: جاء ابن جرموز إلى مصعب بن الزبير لما ولي إمارة العراق لأخيه الخليفة عبد الله بن الزبير فقال: أقدني بـ الزبير -يعني: كأنه يريد التوبة من قتل الزبير بن العوام رضي الله عنه- قال: أقدني بـ الزبير، فكتب في ذلك يشاور عبد الله رضي الله عنه وأرضاه، فجاءه الخبر: أنا أقتل ابن جرموز بـ الزبير؟ لا، ولا بشرك نعله.
قلت: هذا فيه فضل الزبير رضي الله عنه وأضاه، وزيادة في أجره، وكفى بـ الزبير فخراً أنه حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكفاه فخراً أنه أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وكفاه فخراً بأن عمر بن الخطاب لما استخلف الستة كان فيهم الزبير رضي الله عنه وأرضاه.