[الترجيح في بناء البيت وبيان مزية إبراهيم في بنائه]
ومن نستطيع أن نقول: إن قصة بناء البيت بدأت من عهد آدم عليه السلام، هذا الذي يظهر، فالملائكة بنت البيت وضعته لآدم، وحج إليه آدم، وحج إليه الصالحون من عهد آدم إلى عهد نوح، ولما تبدلت الأرض شركاً بعث نوح، وحج نوح، وحج بعده الأنبياء -كصالح كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم- ثم ذهبت معالمه، فأمر الله الخليل أن يرفع القواعد.
فإذاً: مزية إبراهيم أنه لم يبن أحد غيره من البشر البيت.
هذا الذي يتحرر، والعلم عند الله، ولذا قال الله جل وعلا:{وَإِذْ يَرْفَعُ}[البقرة:١٢٧]، ولم يقل: وإذ يضع، وكل أحد درس اللغة يعرف الفرق بين (يضع) و (يرفع)، فإن يرفع يشعر أن هذه القواعد موجودة:{وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ}[البقرة:١٢٧] فرفع إبراهيم القواعد من البيت.
وهنا تأتي أمور، فالله يقول في سورة الحج:{وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ}[الحج:٢٦].
إذاً: الذي حدد لإبراهيم مكان البيت رب العزة والجلال، ولكن البيت كان موجوداً وإنما دل عليه.
وأما كيف دل عليه فلا نعرف في ذلك أثراً مرفوعاً، لكن قال بعض العلماء: إن سحابة أظلت مكان البيت.
وهذا ليس ببعيد.
وقال بعضهم: جاءت ريح كنست المكان الذي حدد له البيت، والذي نحن على يقين منه أن الله جل وعلا هو الذي عين مكان البيت لإبراهيم عليه السلام، (وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ).
ثم في إتيانه بإسماعيل وأمه إلى هذا المكان دليل على أنه كان يعرف أن المكان في مكة، لكن لا يعرف تحديد البيت، أمر بأن يضع إسماعيل في هذا المكان، وكان يعلم أن البيت هنا، بدليل أنه قال:{رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ}[إبراهيم:٣٧] ومعلوم أن البيت لم يكن موجوداً؛ لأن إسماعيل بنى مع أبيه البيت بعد أن كبر، وإبراهيم قال هذه العبارة عندما كان إسماعيل رضيعاً مع أمه قبل أن تخرج زمزم، ولكنه كان يعلم أن البيت في ذلك الوادي.