المقدم: بالنسبة للطواف نريد أن تتحدث عنه؟ الشيخ: الطواف {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ}[الحج:٢٦] الطواف بالبيت هو العبادة التي لا يمكن أن تقع إلا في مكة، وإلا فسائر العبادات يمكن أن تقع في غير مكة إلا الحج والعمرة ومناسكها؛ لأنها مختصة بالبيت، لكن كإطلالة تاريخية: كان هناك رجل في مكة في القرن الثاني الهجري توفي (١٥٧) هـ واسمه محمد بن طارق المكي، نقل الثقات من المؤرخين وأهل التراجم وأئمة الحديث عن هذا الرجل أنه كان يطوف بالبيت في اليوم والليلة سبعين مرة، في كل طواف سبعة أشواط حتى قيلت فيه أبيات شعر تخبر عنه.
ويقولون: إن شعبة بن الحجاج أمير المؤمنين في الحديث ذهب إلى عبد الله بن المبارك يطلبه هذين البيتين، والبيتان لـ ابن شبرمة يخاطب فيهما رجلاً يقول له: المفروض أن تكون عالماً، أن تكون طوَّافاً، أن تكون زاهداً وكان هناك رجل معاصر لـ محمد بن طارق اسمه كرز، وكرز هذا كان عابداً لكن لا أعلم عنه شيئاً، أما محمد بن طارق فقد كان مشهوراً بطوافه فقال ابن شبرمة لمن يخاطبه: لو شئت كنت ككرز في عبادته أو كابن طارق حول البيت في الحرم يعني يطوف بالبيت قد حال دون لذيذ العيش خوفهما فسارعا لطلاب الفوز والكرمِ والمقصود أن هذا أحد أفراد أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه عرف فضل الطواف وجعل عمره منصبّاً في هذه العبادة العظيمة والشعيرة الجليلة التي خصّها الله جل وعلا بها أهل مكة دون سواهم؛ ولهذا ذكر العلماء أنه يشرع لمن جاور في مكة أن يكثر من الطواف وأنه لا سبيل له إلى الطواف إلا في مكة.
وقد كان القرشيون يطوفون حول البيت؛ ولهذا من اللطائف الخارجة عن الموضوع -إن صح التعبير- أنه لما يقول الله جل وعلا في الحديث القدسي:(كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به)، يسرع بعض الناس في الإجابة ويقول: لانتفاء الرياء في الصوم، وهذا قلب للمسألة، لأنه ليس هناك عبادة يدخلها الرياء مثل الصوم، لأن الإنسان يستطيع في مدة عشر دقائق أن يتظاهر أمام مضيفه أنه صائم ويرد كل مطعوم ومشروب، بخلاف غيرها من العبادات.
لكن الصواب أن العبادات الثلاث وقعت لغير الله، بخلاف الصوم، فأنت الآن تقول إن الطواف حصل قبل الإسلام، وهذه حقيقة، وإلى الآن يُطاف على غير الكعبة من مشاهد وأضرحة الوثنيين، وما ذكرتموه في أول اللقاء عن أفريقيا، وكانت قريش تطوف حول البيت، وكل مكان معظّم يقع عنده طواف.
تأتي للصلاة وهي ركوع وسجود، وكم سُجد لغير الله تعظيماً كالسجود لملوك لسلاطين الذين لا يدخل عليهم إلا بالسجود.
وأما عبادة الزكاة فهي عبادة أموال، كم يوجد مما يسمى بالإتاوات التي يأخذها السلاطين من الناس، والضرائب في عصرنا الحاضر في الشرق والغرب؛ هذه كلها أخذ من أموال الناس.
لكن الصوم لا يعرف أن أحداً صام لأحد، ولا يعرف أن أحداً كلّف أحداً أن يصوموا له، يعني: لا يتصور أن يأتي إنسان يتعبده إنسان يقول له: صم لي! لأنه لا يستطيع أن يضبطه، يعني: إذا قال: أعطني مالاً ولم يعطه آخذ منه مالاً بالقوة، وإذا رفض السجود هدده بالسلاح، وكذلك الطواف، لكن إذا قال: صم لي! فمعنى ذلك أنه سيرابط عنده من الصباح إلى المساء، وهذا يكلفه الكثير.
فالعبادة الوحيدة التي لم تؤد لغير الله هي الصيام، وهذا معنى قوله:(كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به)، وإن كان هذا من الخروج عن موضوع الحج! القرشيون منعهم النبي صلى الله عليه وسلم من الطواف والحج بعد السنة الثامنة وبعث أبا بكر ليعلن: أن لا يطوف بالبيت عريان؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما أراد أن يطوف بالبيت وحوله شيء من شعائر الجاهلية، فكان الجاهليون يطوفون بالبيت عراة، ومنه البيت المشهور لتلك المرأة: اليوم يبدو بعضه أو كله وما بدا منه فلا أحله إلى غير ذلك، بعد ذلك حِج النبي صلى الله عليه وسلم وقد عرفت العرب أنه لا يطوف بالبيت عريان، وطُّهِّر البيت من الأوثان، وبعده استمر الطواف دون وجود هذه الأوثان إلى يومنا هذا، وسيبقى إلى أن يأذن الله بهدم الكعبة على يد ذي السويقتين من أرض الحبشة، قال صلى الله عليه وسلم:(كأنني أنظر إليه يقلعها حجراً حجراً ويستخرج كنوزها).