المقدم: أيضاً في قوله تعالى: {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ}[المائدة:٩٧] ما المعنى العام لقوله تعالى: {قِيَامًا لِلنَّاسِ}[المائدة:٩٧]؟ الشيخ: قال أهل التفسير: إن المعنى العام لـ (قياماً للناس) أي به وفيه -أي البيت- مصالح دنياهم وأخراهم، أو بتعبير أوضح: مصالح دينهم ودنياهم، هذا المعنى العام لقول الله تعالى:{جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ}[المائدة:٩٧].
وهذا يتجلى بالصور؛ فمثلاً: الصلاة أعظم أركان الدين وأجل العبادات وأولها، والإنسان يتوجه بوجهه إلى الكعبة {فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا}[البقرة:١٤٤].
الإنسان الذي تلم به الضراء يفزع إلى الله ويدعوه، فيتوجه في دعائه جهة الكعبة.
الإنسان الذي يحل به ضيف يريد أن يكرمه، أو يأتي عليه عيد الأضحى يريد أن يتقرب إلى الله بأضحية، أو يحج يريد أن يتقرب إلى الله بهدي، أو يُرزق بغلام يريد أن يتقرب إلى الله بعقيقة، أو يريد أن يذبح لأهله شاة لحم، ومع ذلك في كل أحواله يتوجه بذبيحته إلى الكعبة فجعلها الله قياماً، هذه بعض صورها، وهذا من باب تعظيم الكعبة.
كذلك النبي صلى الله عليه وسلم في حجته وقف على الصفا، ووقف على المروة وهو قريب من البيت، ومع ذلك كان يستقبل البيت ويدعو صلوات الله وسلامه عليه مستقبلاً البيت.
المؤمن لا بد له أن يموت، وساعة الاحتضار لا بد منها، ففي ساعة الاحتضار يشرع لمن شهد مؤمناً يحتضر أن يوجهه نحو الكعبة.
يموت المؤمن، فيغسل، ويكفّن، ويصلى عليه، وعندما يدفن يوجه في قبره للكعبة؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث طويل آخره:(والمسجد الحرام قبلتكم أحياء وأمواتاً) فقوله عليه الصلاة والسلام: (قبلتكم أحياءً وأمواتاً) مفسِّر لقول الله جل وعلا: {قِيَامًا لِلنَّاسِ}[المائدة:٩٧].
ومعلوم أن الإنسان لا يهمه شيء أعظم من دينه، فإذا كان قوام حياته الدينية مرتبطاً بأنه يتوجه إلى الكعبة كان ذلك من تعظيمها، والكعبة لا تختص بشيء أعظم من الطواف.