للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فتقديم الجار والمجرور ليس للحصر، وإنما هو لمناسبة رؤوس الآي.

بل: لو كان في الآية حصر إضافي بالنسبة إلى شيء مخصوص: لما جاز أن يكون هذا الشيء هو السُنَّةُ. لأن حفظ القرآن متوقف على حفظها، ومستلزم له: بما أنها حصنه الحصين، ودرعه المتين، وحارسه الأمين، وشارحه المبين: تفصل مجمله، وتفسر مشكله، وتوضح مبهمه، وتقيد مطلقه، وتبسط مختصره. وتدفع عنه عبث العابثين، ولهو اللاهين، وتأويلهم إياه على حسب أهوائهم وأغراضهم، وما تمليه عليهم رؤساؤهم وشياطينهم، فحفظها من أسباب حفظه، وصيانتها صيانة له.

ولقد حفظها الله تعالى كما حفظ القرآن: فلم يذهب منها - وَللهِ الحَمْدُ - شيء على الأمة، وإن لم يستوعبها كل فرد على حدة.

قال الشافعي (١) في صدد الكلام على لسان العرب:

«ولسان العرب: أوسع الألسنة مذهبا، وأكثرها ألفاظا، ولا نعلمه يحيط بجميع علمه إنسان غير نبي، ولكنه لا يذهب منه شيء على عامتها، حتى لا يكون موجودا فيها من يعرفه».

«والعلم به - عند العرب - كالعلم بالسنة عند أهل الفقه: لا نعلم رجلا جمع السنن: فلم يذهب منها عليه شيء».

«فإذا جُمِعَ علم عامة أهل العلم بها: أتى على السنن، وإذا فرق علم كل واحد منهم: ذهب عليه الشيء منها. ثم كان ما ذهب عليه منها موجودا عند غيره».

«وهم في العلم طبقات: (منهم): الجامع لأكثره وإن ذهب عليه بعضه


(١) في " الرسالة ": ص ٤٢، ٤٣.

<<  <   >  >>