عدم القطع بثبوتها. ثم فهم أن هذه الإرادة دليل على إرادته عدم حجيتها في نفسها، وعلى عدم اعتبارها دليلاً على حكم شرعي، بَانِيًا فهمه هذا على أن القطع بالثبوت من لوازم الحُجِّيَةِ، وإرادة عدم حصول اللازم تستلزم إرادة عدم حصول الملزوم.
ونقول له: لا نسلم لك ما بنيت عليه هذا الفهم الأخير: من أن القطع بالثبوت من لوزام الحُجِّيَةِ على عمومه، بل في العقائد وأصول الدين دون الأحكام الفرعية والمسائل الفقهية. وهذا أمر قد تقرر في علم الأصول: في مسألة التعبد بخبر الواحد. وهي خارجة عن موضوع رسالتنا.
إلا أنه لا بأس من بيانها على سبيل الإجمال؛ لأنك قد جعلتها أساسا لإبطال حجية السُنَّةِ من حيث ذاتها.
...
وقبل التكلم في هذه المسألة نقول لك: إنه لا نزاع بين المسلمين في أن التواتر (١) مفيد للعلم وإنما الذي خالف في ذلك السُّمْنِيَّةُ من البراهمة، وهم قوم ينكرون النبوة. ومع كون مخالفتهم هذه مكابرة صريحة على العقل: ضرورة علمنا بالبلاد النائية، والأمم الخالية، فهي لا تؤثر في حجية هذا الإجماع، لأنهم قوم غير مسلمين. فهذا الإجماع يبطل لك زعمك أن الكتابة وحدها هي المفيدة للعلم زيادة على ما قررناه لك فيما سبق.
نعم: قد اختلف المسلمون في أن هذا العلم ضروري أو نظري واختلفوا في الشروط التي لا يتحقق التواتر إلا بها، وهذا خلاف لا يفيدك شيئًا.
(١) الخبر المتواتر هو: ما أخبر به في جميع طبقاته جَمْعٌ يُؤْمَنُ تواطؤهم على الكذب. وقد اختلفوا في أقل عدد الجمع، والمتعمد: أن المدار على حصول الأمن مما ذكر، وأن العدد الذي يحصل به ذلك يختلف باختلاف الأحوال.