للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولا نزاع (اَيْضًا) بين المسلمين: في وقوع التعبد بالخبر المتواتر عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وهذا الإجماع يبطل لك ما زعمته من أن القرآن هو الحجة وحده، مستدلاً على ذلك بأنه هو المقطوع به فقط، إذ لا شك أن هناك أخبارًا متواترة عنه - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

...

فأما خبر الواحد (١): فإن لم يكن عَدْلاً لم يفد علمًا ولا ظنًا، لكن إذا انضم إليه قرينه أو أكثر تفيد شيئا منهما حصل هذا الشيء.

وإن كان عَدْلاً: فالإجماع منعقد على أنه لا تسلب عنه الإفادة. إلا أنهم اختلفوا في المفاد: أهو العلم أم الظن؟.

فالجمهور على أنه يفيد الظن لكن إذا انضم إليه قرينة تفيد العلم حصل.

وذهب الإمام أحمد إلى أنه يفيد العلم.

ولا نطيل الكلام في تحقيق ذلك، فالذي يغلب على ظننا هو أنك معنا في إفادته الظن. وإن أردت المكابرة وإنكار إفادته العلم والظن فالإجماع يرغمك. وإن


(١) المراد به عند الجمهور: ما لم يبلغ حد التواتر؛ فمنه المستفيض (وقد يُسَمَّى المشهور) وهو الشائع عن أصل. وأقله من حيث عدد رواته: اثنان. وقيل: ثلاثة. وقيل: أربعة. (انظر " شرح جمع الجوامع ": ج ٢ ص ٨٨). وهو مفيد للظن كسائر أنواع خبر الواحد. وذهب الأستاذ أبو إسحاق وابن فورك إلى أنه يفيد عِلْمًا نَظَرِيًّا.
وعند عامة الحنفية المشهور يقابل التواتر وخبر الواحد. وعرفوه بما كان آحاد الأصل متواترًا في القرن الثاني والثالث مع قبول الأمة. وقالوا: إنه يوجب ظنًا قويًا كأنه اليقين الذي لا مساغ للشبهة والاحتمال الناشئين عن الدليل فيه أصلاً. وسموا هذا العلم: علم الطمأنينة. وذهب أبو بكر الجصاص: إلى أنه قسم من المتواتر مفيد للعلم نظرًا، بخلاف بقية المتواتر، فإنه مفيد للعلم ضرورة. (انظر " شرح المُسَلَّمِ ": ج ٢ ص ١١١).
واعلم أنه يجب أن يقيد خبر الواحد بأن لا يكون خبر معصوم، لأنه يفيد اليقين جزمًا بالاتفاق.

<<  <   >  >>