للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذهبت مذهب الإمام أحمد فقد أرحتنا وتقوضت شبهتك.

...

فإذا تقرر أن خبر الواحد العدل يفيد الظن - على ما علمت - فاعلم أن التعبد بما اشتمل عليه من الأحكام جائز عقلاً عند الجمهور خِلاَفاً لِلْجُبَّائِي.

واعلم أن النزاع في جواز التعبد بخبر الواحد العدل عقلا قد حكاه جمهور الكاتبين من الأصوليين، وخالفهم في ذلك صاحب " جمع الجوامع "، فلم يتعرض له.

والذي ذكره - في مسألة التعبد بخبر الواحد - (١) عن الجُبَّائِي أنه يقول بوقوع التعبد به إذا كان من اثنين يرويانه أو اعتضد بشيء آخر، كأن يعمل به بعض الصحابة أو ينتشر فيهم (٢). وهذا الذي نقله عن الجُبَّائِي قد نقله غيره - من الكاتبين - عنه في شرائط الرواية.

ثم إن ابن السبكي - في " شرح المنهاج " - قد استشكل هذين النقلين بأنهما متنافيان، وأجاب حيث قال (٣): «فإن قلت: ما وجه الجمع بين منع الجُبَّائِي هنا التعبد به عقلاً واشتراطه العدد. كما سيأتي النقل عنه. فإن قضية اشتراطه العدد القول به. قلت: قد يجاب بوجهين: أقربهما أنه أراد بخير الواحد الذي أنكره هنا ما نقله العدل منفردا به دون خبر الواحد المصطلح. (أعني الشامل لكل خبر لم يبلغ حد التواتر ولهذا) كانت عبارة إمام الحرمين: " ذهب الجُبَّائِي إلى أن خبر الواحد لا يقبل، بل لا بد من العدد وأقله اثنان. والثاني: أنه يجعله من باب الشهادة "». اهـ.


(١) ص ١٦٠ (أو ج ٢ ص ٩٣ من " الشرح ").
(٢) قال السيوطي - في " تدريب الراوي ": ص ١٧ - : «وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْجُبَّائِيُّ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ: لاَ يُقْبَلُ الْخَبَرُ إِذَا رَوَاهُ الْعَدْلُ الْوَاحِدُ، إِلاَّ إِذَا انْضَمَّ إِلَيْهِ خَبَرُ عَدْلٍ آخَرَ، أَوْ عَضَّدَهُ مُوَافَقَةُ ظَاهِرِ الْكِتَابِ، أَوْ ظَاهِرِ خَبَرٍ آخَرَ، أَوْ يَكُونُ مُنْتَشِرًا بَيْنَ الصَّحَابَةِ، أَوْ عَمِلَ بِهِ بَعْضُهُمْ، حَكَاهُ أَبُو الْحَسَنِ الْبَصْرِيُّ فِي " الْمُعْتَمَدِ "، وَأَطْلَقَ الأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ التَّمِيمِيُّ عَنْ أَبِي عَلِيٍّ أَنَّهُ لاَ يُقْبَلُ إِلاَّ إِذَا رَوَاهُ أَرْبَعَةٌ».
(٣) ج ٢ ص ١٩٧.

<<  <   >  >>