للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأقول: إذا نظرت في شُبَهِ الجُبَّائِي التي أرودها للمنع من التعبد تجدها مانعة من التعبد بما يرويه الاثنان أو الأكثر ما لم يبلغوا حَدَّ التواتر فإن رواية هؤلاء إنما تفيد الظن.

اللهم إلا أن يكون قد ذهب مذهب أبي إسحاق وابن فورك في أن المستفيض يفيد العلم النظري، فلا تطرد هذه الشبه فيه حينئذ كما هو ظاهر.

ويؤيد أن الجبائي يذهب هذا المذهب أن العضد قد ذكره في الاستدلال له على اشتراط العدد في الرواية قوله تعالى: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} (١). ونحوه، فهذا الاستدلال يشعرنا أنه إذا وجد العدد أفاد العلم عنده.

هذا ويمكن أن يجاب اَيْضًا بأن الجُبَّائِي كان يذهب إلى امتناع التعبد، ثم رجع عنه أخيرًا وقال بوقوع التعبد. إلا أنه اشترط فيه ما ذكر فنقل قوم مذهبه الأول ظانين أنه استمر عليه، ونقل آخرون المذهب الثاني، ثم جمع الكاتبون النقلين غير شاعرين بما بينهما من التضارب.

ولعل هذا هو الذي حققه أخيرًا ابن السبكي وهو يؤلف " جمع الجوامع " فلذلك ترك حكاية الخلاف في جواز التعبد به عقلاً، حيث ثبت عنده أن الجُبَّائِي رجع عن القول بالامتناع.

ويدل على الجواز أن التعبد به إيجاب للعمل بالراجح، لأنه يفيد غلبة الظن بأن ما اشتمل عليه حكم الله تعالى (كما علمت) وإيجاب العمل بالراجح معقول لا يلزمه محال لا لذاته ولا لغيره.

وَلِلْجُبَّائِي ثلاث شبه:

الأولى: أن التعبد به يؤدي إلى تحليل الحرام وتحريم الحلال عن كذب المخبر أنه من رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في خبره هذا. وبيان ذلك أنه قد تقرر أنه يفيد


(١) [سورة الإسراء، الآية: ٣٦].

<<  <   >  >>