للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويدل على الوقوع أدلة كثيرة. نذكر لك أهمها:

الدليل الأول: خبر الواحد العدل يفيد غلبة الظن بأن ما اشتمل عليه هو حكم الله تعالى. فيجب العمل به قَطْعًا كظاهر الكتاب. وبيان أنه يفيد غلبة الظن المذكورة أنا قد بينا - بالأدلة التي لا تقبل الإنكار ولا الشك ولا الوهم - أن السُنَّةَ من حيث ذاتها حُجَّةٌ يجب العمل بها قَطْعًا. فالسنة المقطوع بها ملزومة ووجوب العمل بها قَطْعًا لازم. ووجوب العمل قَطْعًا يستلزم أن المعمول به حكم الله قَطْعًا، إذ لا يجب العمل إلا بحكم الله اتفاقًا، ولازم لازم الشيء لازم الشيء. فالسنة المقطوع بها ملزومة، وكون ما اشتملت عليه من الأحكام حكم الله قَطْعًا لازم. وكما أن القطع باللزوم يوجب القطع باللازم فظن الملزوم يوجب ظن اللازم. وخبر الواحد العدل يفيد ظن الملزوم - وهو أن المخبر به سُنَّةٌ - فيجب أن يفيد ظن اللازم. وهو كون ما اشتمل عليه من الأحكام حكم الله تعالى.

وهذا الدليل قد انفرد بذكره صاحب " المُسَلَّمِ " ونقحه شارحه إلا أن الشارح اعترض عليه وأجاب. حيث قال (١): «فإن قلت: لا نسلم أن مطلق المظنونية ملزوم وجوب العمل قَطْعًا. بل المظنونية التي حدثت من قطعي المتن كظاهر الكتاب. قلت: الفرق تحكم، فإن مظنونية المتن إنما تحدث الظن في كون الثابت به حكم الله تعالى. ومثله ظاهر الكتاب. فهذه المظنونية إن أوجبت هناك توجب هنا اَيْضًا». اهـ.

على أنا نقول: إن من يريد أن يعتمد في استنباط الأحكام على القرآن وحده، ويترك ما جاء في السنة من المعاني الشرعية والأخبار المفسرة للمراد من ألفاظه لا مفر له من ظنية الطريق في اجتهاده وفهم معاني القرآن على حسب ما وضعته العرب.

وذلك لأن ألفاظه المشتملة على الأحكام لو فرضنا أنها مستعملة في معانيها

<<  <   >  >>