للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اللغوية - دون المعاني التي اصطلح الشارع عليها وأرادها منها - لا تدل على هذه المعاني اللغوية إلا بواسطة أوضاع العرب له. إذ ليست دلالتها عليها دلالة عقلية محضة. والعقل لا يستقل بمعرفة هذه الأوضاع، ولا يولد المرء عَالِمًا بها، بل إنما يتعلمها بواسطة النقل عن غيره. وأكثر معاني الألفاظ منقولة إلينا بطريق الآحَادِ سَمَاعًا أَوْ فِي الكُتُبِ. والمعنى المشتهر أو المتواتر في الأعصر الأخيرة هو في الغالب آحادي الأصل، يرجع إلى نقل فرد واحد مثل الأصمعي أو أبي عبيدة، وقد يستنبطه الواحد منهم من بيت رجل مثل أبي نواس وبشار وعمر بن أبي ربيعة ممن اشتهر بالمجون والفسق والاختلاق والكذب.

فالقرآن - وإن كان مقطوعًا بلفظه - ففهم معانيه إذا ما تركنا مساعدة السنة يعتمد على ظنية طريق وضع اللفظ لمعناه اللغوي. وهذه الظنية - إن سلمنا نسبتها إلى الظن - أضعف بكثير من ظنية طريق السنة التي تفسر المعاني التي أرادها رب العالمين والحاكم على عباده ومن القرآن كلامه. والتي أنزلها على المعصوم عن الكذب ونقلها عنه الثقات الأتقياء المتمسكون بدينهم المخلصون له. فأين مثل الصحابة والزهري ومالك والشافعي وأحمد والبخاري ومسلم - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ - من نقلة اللغة مثل خلف الأحمر الذي قيل فيه ما قيل. ومثله في الاشتهار بالكذب والاختلاق كثير كانوا يقصدون بمباحثهم اللغوية الدنيا والشهرة والتقرب من الحكام والتملق إليهم. فلا يمنع الواحد منهم دينه وخوفه من ربه أن يفسر اللفظ بتفسير من عنده، وأن يختلق البيت من الشعر وينسبه إلى امرئ القيس ونحوه ليدعم به دعواه على ما هو مشهور عنهم.

ولذلك كثر الاضطراب والاختلاق في معاني الألفاظ اللغوية.

فأين الأولون الثقات الورعون المخلصون لدينهم القاصدون وجه ربهم من الآخرين الذين هذا شأنهم؟

فَأَيْنَ الثُّرَيَّا وَأَيْنَ الثَّرَى * ... * ... * وَأَيْنَ مُعَاوِيَةُ مِنْ عَلِيٍّ (١).


(١) رحم الله المصنف، فقد كان الأحرى به أن يتورع عن الاستشهاد بهذا البيت من الشعرب، لأن فيه =

<<  <   >  >>