للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الدليل الثاني: إجماع الصحابة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ - على وجوب العمل بخبر الواحد العدل وفيهم عَلِيٌّ - كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ -. وذلك في وقائع شتى لا تنحصر آحادها إن لم تتواتر فالقدر المشترك منها متواتر. ولو أردنا استيعابها لطالت الأنفاس وانتهى القرطاس. وقد ذكرنا بعضها فيما سبق. فلا وجه لتعدادها، إذ نحن على قطع بالقدر المشترك منها وهو رجوع الصحابة إلى خبر الواحد إذا نزلت بهم المعضلات واستكشافهم عن أخبار النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عند وقوع الحادثات. وإذا روي لهم حديث أسرعوا إلى العمل به من غير نكير في ذلك كله.

فهذا ما لا سبيل إلى جحده ولا إلى حصر الأمر فيه واستقصائه.

فإن قيل: لئن ثبت عنهم العمل بأخبار الآحاد فقد ثبت عنهم ردها. فهذا أبو بكر قد رد خبر المغيرة في ميراث الجدة حتى رواه ابن مسلمة. وعمر أنكر خبر أبي موسى الأشعري في الاستئذان حتى رواه أبو سعيد الخُدري، وَعَلِيٌّ أنكر خبر معقل بن سنان في المفوضة وكان يحلف غير أبي بكر. وعائشة أنكرت خبر ابن عمر في تعذيب الميت ببكاء أهله (١).

أجيب: بأنهم إنما توقفوا عند الريبة في صدق الراوي أو حفظه لا لأن الخبر من الآحاد. ألا ترى أنهم عملوا بعد انضمام رَاوٍ آخر أو الحلف؟ والخبر على كلتا الحالتين لا يزال خبر آحاد. (٢) والخصم إذا أنكر وقوع التعبد بخبر الواحد ينكر خبر الاثنين وخبر الواحد مع اليمين ... فعمل أبي بكر وعمر وَعَلِيٌّ حُجَّةٌ عَلَيْهِ. ونحن إذا قلنا بقبول خبر الواحد فإنما نقبله عند عدم الريبة وعند السلامة من معارض أو قادح.

الدليل الثالث: أنه قد تواتر: أن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يرسل الرُّسُلَ لتبليغ الأحكام وتفصيل الحلال والحرام. وربما كان يصحبهم الكتب. وكان نقلهم أوامر


(١) انظر " شرح المُسَلَّمْ ": ج ٢ ص ١٣٣، ١٣٤.
(٢) انظر " شرح المُسَلَّمْ ": ج ٢ ص ١٣٣، ١٣٤.

<<  <   >  >>