ويقول فيما رواه الشافعي وغيره عن أبي رافع:«لاَ أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ , يَأْتِيهِ الأَمْرُ مِنْ أَمْرِي، مِمَّا نَهَيْتُ عَنْهُ أو أَمَرْتُ بِهِ فَيَقُولُ: " لاَ نَدْرِي! مَا وَجَدْنَا فِي كِتَابِ اللهِ اتَّبَعْنَاهُ». وما إلى ذلك من الأحاديث التي ذكرناها في أدلة الحُجِّيَةِ.
أليس الأمر بالتحديث والتبليغ والحفظ، والإيعاد على الكذب عليه أشد الوعيد، والنهي عن عدم الأخذ بالسنة دليلاً على أن السنة لها شأن خطير وفائدة جليلة للسامع والمبلغ؟ فما هذه الفائدة وما هذا الشأن العظيم؟ أليس هو أنها حجة في الدين وبيان للأحكام الشرعية. كما يدل عليه تعقيبه - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الأمر بالتبليغ - في الروايات السابقة - بقوله:«فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لاَ فِقْهَ لَهُ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ [إِلَى مَنْ هُوَ] أَفْقَهُ مِنْهُ» ونحو هذه المقالة. ألا يشعرك هذا القول أن القصد من تبليغ السامع الحديث لمن بعده، أن يأخذ الغائب ما اشتمل عليه الحديث من فقه وحكم شرعي؟ وهل يكون ذلك إلا إذا كان الحديث حُجَّةً ودليلاً تثبت به الأحكام التي تضمنها؟ وهل يصح أن يذهب من عنده ذرة من عقل وإيمان إلى أن أمره - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالتحديث والتبليغ إنما كان لمجرد التسلية والمسامرة في المجالس كما يفعل تواريخ الملوك والأمراء؟ كَلاَّ: فإن النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أجل وأعظم وأشد عصمة من أن يأمر أمته بما لا فائدة فيه وبما هو مدعاة للهوهم وعبثهم.
وإليك ما قَالَ الشَّافِعِيُّ - تعليقًا على حديث ابن مسعود المتقدم - مما فيه تأييد لما ذكرنا لك: