للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وروى " مسلم " عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا مِنْ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللهُ فِي أُمَّةٍ قَبْلِي إِلاَّ كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ (١)، وَأَصْحَابٌ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ، ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ، وَيَفْعَلُونَ مَا لاَ يُؤْمَرُونَ، فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ» قَالَ أَبُو رَافِعٍ: فَحَدَّثْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ فَأَنْكَرَهُ عَلَيَّ، فَقَدِمَ ابْنُ مَسْعُودٍ فَنَزَلَ بِقَنَاةَ (٢) [فَاسْتَتْبَعَنِي] إِلَيْهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ يَعُودُهُ، فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ فَلَمَّا جَلَسْنَا سَأَلْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَحَدَّثَنِيهِ كَمَا حَدَّثْتُهُ ابْنَ عُمَرَ.

السبب الثاني: أنهم كانوا يمتنعون أو ينهون عن أن يحدثوا قومًا حديثي عهد بالإسلام ولم يكونوا قد أحصوا القرآن. فخافوا عليهم الاشتغال بغيره عنه: إذ هو الأهم والأصل لكل علم.

وقد يشير إلى هذا السبب قول عمر: «إِنَّكُمْ تَأْتُونَ [أَهْلَ قَرْيَةٍ] لَهُمْ دَوِيٌّ بِالقُرْآنِ كَدَوِيِّ النَّحْلِ فَلاَ تَصُدُّوهُمْ بِالحَدِيثِ ... ». يعني: أن أهل هذه البلدة اعتنقوا الإسلام حديثًا، وأخذوا يحفظون القرآن ولما ينتهوا من حفظه. فلا تشغلوهم عن الأهم بالمهم.

...

السبب الثالث: أنهم إنما نهوا أو امتنعوا عن الإكثار من الحديث، خوف اشتغال سامح الكثير منهم بحفظه عن تدبر شيء منه وتفهمه، لأن المكثر لا تكاد تراه إلا غير متدبر ولا متفقه.

...


(١) حواري الرجل: خاصته من أصحابه وأنصاره.
(٢) واد من أودية المدينة المنورة.

<<  <   >  >>