للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

السبب الرابع: أنهم كانوا ينهون أو يمتنعون عن تحديث العامة وضعاف العقول بالأحاديث المتشابهة التي يعسر عليهم فهمها فيحملونها على خلاف المراد منها، ويستدلون بظاهرها على ما يبتدعه السفهاء منهم. أو يكون معناها غير مقبول لعقولهم القاصرة فيعترضون عليها، ويؤدي ذلك إلى تكذيب الله ورسوله.

ولذلك يقول ابْنُ مَسْعُودٍ: «مَا أَنْتَ بِمُحَدِّثٍ قَوْمًا حَدِيثًا لاَ تَبْلُغُهُ عُقُولُهُمْ، إِلاَّ كَانَ لِبَعْضِهِمْ فِتْنَةً». رواه " مسلم ". ويقول عَلِيٌّ - كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ - «حَدِّثُوا النَّاس بِمَا يَعْرِفُونَ، أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ». رواه " البخاري " قال ابن حجر: «وَزَادَ آدَم بْن أَبِي إِيَاس فِي " كِتَاب الْعِلْم " لَهُ عَنْ عَبْد اللَّه بْن دَاوُدَ عَنْ مَعْرُوف فِي آخِره " وَدَعُوا مَا يُنْكِرُونَ " أَيْ: يَشْتَبِه عَلَيْهِمْ فَهْمه ... وَمِمَّنْ كَرِهَ التَّحْدِيث بِبَعْضٍ دُون بَعْض أَحْمَد فِي [الأَحَادِيث] الَّتِي ظَاهِرهَا الْخُرُوج عَلَى السُّلْطَان، وَمَالِك فِي أَحَادِيث الصِّفَات، وَأَبُو يُوسُف فِي الْغَرَائِب، وَمِنْ قَبْلهمْ أَبُو هُرَيْرَة». حيث يروي " البخاري " عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: «حَفِظْتُ [مِنْ] رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وِعَاءَيْنِ: فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَبَثَثْتُهُ، وَأَمَّا الآخَرُ فَلَوْ بَثَثْتُهُ قُطِعَ هَذَا البُلْعُومُ» ... قال ابن حجر: «وَحَمَلَ الْعُلَمَاء الْوِعَاء الَّذِي لَمْ يَبُثّهُ عَلَى الْأَحَادِيث الَّتِي فِيهَا تَبْيِين أَسَامِي أُمَرَاء السُّوء وَأَحْوَالهمْ وَزَمَنهمْ ... [وَيُؤَيِّد ذَلِكَ أَنَّ الأَحَادِيث المَكْتُومَة لَوْ كَانَتْ مِنْ الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة مَا وَسِعَهُ كِتْمَانهَا لِمَا ذَكَرَهُ فِي الْحَدِيث الأَوَّل] مِنْ الآيَة الدَّالَّة عَلَى ذَمّ مَنْ كَتَمَ الْعِلْم. [وَقَالَ غَيْره]: يَحْتَمِل أَنْ يَكُون أَرَادَ مَعَ الصِّنْف الْمَذْكُور مَا يَتَعَلَّق بِأَشْرَاطِ السَّاعَة وَتَغَيُّر الأَحْوَال وَالْمَلاحِم فِي آخِر الزَّمَان، فَيُنْكِر ذَلِكَ مَنْ لَمْ يَأْلَفهُ، وَيَعْتَرِض عَلَيْهِ مَنْ لاَ شُعُور لَهُ بِهِ» (١) (*).

أو يكون النهي متعلقًا بالأحاديث التي يخشى من العامة الاتكال عليها. مثل حديث الشيخين عَنْ أَنَسٍ: أَنَسٍ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، - وَمُعاذٌ رَدِيفُهُ عَلَى الرَّحْلِ -، قَالَ: «يَا مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ»، قَالَ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ، قَالَ: «يَا مُعَاذُ»، قَالَ: لَبَّيْكَ


(١) في " الفتح ": ج ١ ص ٢١٦، ٢١٧ من الطبعة السلفية.

<<  <   >  >>