يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ ثَلاَثًا، قَالَ: «مَا مِنْ أَحَدٍ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، صِدْقًا مِنْ قَلْبِهِ، إِلَّا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ»، قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَفَلاَ أُخْبِرُ بِهِ النَّاسَ فَيَسْتَبْشِرُوا؟ قَالَ: «إِذًا يَتَّكِلُوا» وَأَخْبَرَ بِهَا مُعَاذٌ عِنْدَ مَوْتِهِ تَأَثُّمًا. أي: خروجا من الإثم، وهو إثم كتم العلم ممن يؤمن عليه الاتكال. وكان سكوته إلى ذلك الحين امتثالاً للنهي عن الإشاعة كما ينبئ عنه ترجمة البخاري هذا الحديث بباب: (بَابُ مَنْ خَصَّ بِالعِلْمِ قَوْمًا دُونَ قَوْمٍ، كَرَاهِيَةَ أَنْ لاَ يَفْهَمُوا) كذا قال بعضهم.
وقال ابن حجر (١) بعد أن ذكر نحو هذا وما أورد عليه: «بِأَنَّ مُعَاذًا اِطَّلَعَ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ الْمَقْصُود مِنْ الْمَنْع التَّحْرِيم بِدَلِيلِ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَبَا هُرَيْرَة أَنْ يُبَشِّر بِذَلِكَ النَّاس، فَلَقِيَهُ عُمَر فَدَفَعَهُ وَقَالَ: اِرْجِعْ يَا أَبَا هُرَيْرَة، وَدَخَلَ عَلَى أَثَره فَقَالَ: يَا رَسُول اللَّه لَا تَفْعَل، فَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَتَّكِل النَّاس، فَخَلِّهِمْ يَعْمَلُونَ. فَقَالَ: فَخَلِّهِمْ. أَخْرَجَهُ مُسْلِم. فَكَأَنَّ قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمُعَاذٍ: " أَخَاف أَنْ يَتَّكِلُوا " كَانَ بَعْد قِصَّة أَبِي هُرَيْرَة، فَكَانَ النَّهْي لِلْمَصْلَحَةِ لَا لِلتَّحْرِيمِ، فَلِذَلِكَ أَخْبَرَ بِهِ مُعَاذ لِعُمُومِ الْآيَة بِالتَّبْلِيغِ».اهـ.
...
(١) في " الفتح ": ج ١ ص ٢٢٨ من الطبعة السلفية.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute