وهكذا كان فقد قُتل - رضي الله عنه - في كربلاء العراق عام ٦٠ هـ، فمن أدرى نبيه - صلى الله عليه وسلم - بأن الحسين مقتول؟ ومن الذي أراه تربة مقتله؟ إنه الله العليم.
والأعجب منه تنبؤ النبي - صلى الله عليه وسلم - بشهادة امرأة، وهي أم ورقةَ بنتَ عبد الله بن الحارث، فقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يزورها كل جمعة، وكان يسميها الشهيدة فيقول:((انطلقوا نزور الشهيدة)).
وذلك أنها قالت: يا نبي الله، أتأذنُ فأخرجُ معك، أمرّضُ مرضاكم، وأداوي جرحاكم، لعل الله يُهدي لي شهادة؟ قال:((قَرِّي، فإن الله عز وجل يُهدي لك شهادة)).
وقد أدركتها الشهادة زمن عمر - رضي الله عنه -، وكانت أعتقت جارية لها وغلاماً عن دُبرُ منها [أي يُعتقان بعد وفاتها] فطال عليهما، فغمّاها [أي خنقاها] في القطيفة حتى ماتت. (١) فكانت وفاتُها شهادة كما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم -.
فكيف جزم النبي - صلى الله عليه وسلم - بوفاتها غيلة دون سائر الميتات، وهو أمر يندر في النساء؟ إنه دليلٌ آخرُ من دلائل نبوته وآيات رسالته.
ويغدو النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى تبوك، ويتأخر عن الجيش أبو ذر لبطئ بعيره، فيتركه، ويحمل متاعه على ظهره، ليلحق بالنبي - صلى الله عليه وسلم - في تبوك.
وبينما المسلمون يتفقدون من تخلَّف عنهم، لاح في الأفق سوادُ رجلٍ يمشي، قالوا: يا رسول الله، هذا رجل يمشي على الطريق، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((كن أبا ذر))، فلما تأمله الصحابة، قالوا: يا رسول الله، هو واللهِ أبو ذر.
فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((رحم الله أبا ذر، يمشي وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده)).
لقد عرَف النبي - صلى الله عليه وسلم - شخصَ أبي ذر قبل وصوله إليهم بما أعلمه الله، كما تنبأ - صلى الله عليه وسلم - بأن أبا ذر، كما هو الآن يمشي وحده بعيداً عن أصحابه، فإنه سيموت وحده بعيداً عنهم، ثم يبعث من ذلك المكان وحده.
(١) رواه أحمد ح (٢٦٥٣٨)، وأبو داود ح (٥٧١)، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود ح (٥٥٢).