للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتمضي الأيام لتُحقق نبوءةَ النبي - صلى الله عليه وسلم -، فتدرك الوفاةُ أبا ذر في الربذة، فلما حضره الموت أوصى امرأته وغلامَه: إذا مِت فاغسلاني وكفّناني، ثم احملاني، فضعاني على قارعة الطريق، فأول ركب يمرون بكم، فقولوا: هذا أبو ذر.

فلما مات فعلوا به كذلك، فاطلع ركب من أهل الكوفة، وفيهم ابن مسعود، فما علموا به حتى كادت ركائبهم تطأ سريره [أي من إسراعهم إليه].

فاستهل ابن مسعود رضي الله عنه يبكي، ويقول: صدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ((يرحم الله أبا ذر، يمشي وحده، ويموت وحده، ويُبعث وحده)).

فنزل ابن مسعود فولِيَ دفْنه. رضي الله عنهما. (١)

وفي رواية أن أم ذر بكت لما حضرته الوفاة، فقال لها: ما يبكيك؟ قالت: وما لي لا أبكي، وأنت تموت بفلاة من الأرض، ولا يدَ لي بدفنك، وليس عندي ثوب يسعُك، فأكفِنك فيه؟

قال: فلا تبكي وأبشري، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول لنفر من أصحابه وأنا فيهم: ((ليموتَن رجل منكم بفلاة من الأرض، يشهده عصابة من المؤمنين))، وليس من أولئك النفر أحد إلا وقد مات في قرية أو جماعة، وإني أنا الذي أموت بفلاة، والله ما كذَبت ولا كُذِبت. (٢)

لقد بشرها - رضي الله عنه - بمقدَم من يعينها على دفنه، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال متنبئاً عن ذلك الذي يموت بفلاة بأنه ((يشهده عصابة من المؤمنين)).

وجزْمُ أبي ذر أنه ذلك الرجل، لأن الباقين ممن شهدوا هذا القول قد ماتوا في قرية أو جماعة، ولم يبق إلا أبو ذر، وهو الذي حقق ما أخبر عنه محمد - صلى الله عليه وسلم -.

فمن ذا الذي أخبر محمداً - صلى الله عليه وسلم - بموت أبي ذر وحيداً؟ ومن الذي أخبره بمقدم جماعة من المؤمنين يتولون تجهيزه ودفنه؟ إنه عالم الغيب والشهادة العليم الخبير.


(١) رواه الحاكم في المستدرك (٣/ ٥٢)، وحسّن إسناده ابن كثير في البداية والنهاية (٥/ ٩).
(٢) رواه أحمد ح (٢٠٨٦٥)، وابن حبان ح (٦٦٧٠)، وحسّنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب ح (٣٣١٤).

<<  <   >  >>