للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال أنس: (يتباهون بها، ثم لا يعمرونها إلا قليلاً).

ولما تيقن ابن عباس بتحقق هذا الخبر النبوي قال: (لتزخرفُنها كما زخرفت اليهود والنصارى). (١)

قال ابن رسلان: "هذا الحديث فيه معجزة ظاهرة لإخباره - صلى الله عليه وسلم - عما سيقع بعده، فإن تزويق المساجد والمباهاة بزخرفتها كثر من الملوك والأمراء في هذا الزمان بالقاهرة والشام وبيت المقدس". (٢)

ومن هذه الأخبار العجيبة الباهرة إخباره - صلى الله عليه وسلم - بتطاول الناس في البنيان، قال هذا في وقت ما عرف الناس فيه شاهق البنيان، ففي صحيح مسلم أن جبريل سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أمارات الساعة، فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((أن تلد الأَمَة ربّتها، وأن ترى الحفاة العراة العالةَ رِعاء الشاء يتطاولون في البنيان)). (٣)

قال النووي: "معناه أن أهل البادية وأشباههم من أهل الحاجة والفاقة تبسط لهم الدنيا حتى يتباهون في البنيان". (٤)

وقد تحقق هذا في زماننا، فتقدم العلم، وكثر المال، وارتفع - بفضل الله - البنيان، ووصل الأمر بالناس إلى التفاخر فيه، وأغدق الله من فضله وجوده على بلاد كانت تشكو الفقر، فأضحت - بفضل الله - أغنى بلاد الدنيا، فتطاول أهلها مع غيرهم في البنيان، وهو مصداق ما أنبأ عنه - صلى الله عليه وسلم -.

ومما أخبر - صلى الله عليه وسلم - أنه يكون قبيل الساعة، وتحقق في زماننا؛ استغناء الناس عن ركوب الدواب، التي استبدلوها بما أنتجته التقنية الحديثة من السيارات والطائرات وغيرها من وسائل الانتقال، وهو أمر حديث أشار إليه القرآن بقوله: {والخيل والبغال والحمير


(١) الخبران ذكرهما البخاري معلقين في باب "بنيان المساجد".
(٢) عون المعبود (٢/ ٨٤).
(٣) رواه مسلم ح (٨).
(٤) شرح صحيح مسلم (١/ ١٥٩).

<<  <   >  >>