للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإذا أردنا أن نعرف سر الحافظة التي أوتيها راوية الإسلام أبو هريرة، فلنستمع إليه وقد جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يشكو كثرة نسيانه للحديث، فيقول: يا رسول الله، إني أسمع منك حديثاً كثيراً أنساهُ، فقال له عليه الصلاة والسلام: ((ابسط رداءك))، فبسطتُه، قال: فغرفَ بيديه، ثم قال: ((ضُمّه))، فضممتُه، فما نسيتُ شيئاً بعده. (١)

قال ابن حجر: "وفي هذا الحديث فضيلة ظاهرة لأبي هريرة، ومعجزة واضحة من علامات النبوة؛ لأن النسيان من لوازم الإنسان، وقد اعترف أبو هريرة بأنه كان يَكثُر منه، ثم تخلف عنه [أي النسيان] ببركة النبي - صلى الله عليه وسلم - ". (٢)

وثمة دعوة أخرى من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نال أبا هريرةَ خيرُها، ألا وهي دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - لأمِّه بالهداية، فقد كان يدعوها إلى الإسلام، وهي مشركة تأبى الإسلام وتصده عنه، يقول أبو هريرة: فدعوتُها يوماً، فأسمَعَتني في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أكره، فأتيتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا أبكي، قلتُ: يا رسول الله، إني كنتُ أدعو أمي إلى الإسلام، فتأبى عليّ، فدعوتُها اليومَ، فأسمعتني فيك ما أكره، فادع الله أن يهديَ أمَّ أبي هريرة.

ولم يخيب رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - صاحبَه الوفي، فقال: ((اللهم اهدِ أمَّ أبي هريرة))، فخرج مستبشراً فرحاً بدعوة نبي الله - صلى الله عليه وسلم -، يرجو أن تكون سبباً في إسلام أمه.

يقول: فلما جئتُ، فصِرت إلى الباب، فإذا هو مجاف، فسمعتْ أمي خَشْفَ قدميّ [أي صوت مشيي]، فقالت: مكانكَ يا أبا هريرة، وسمعتُ خضْخضَة الماء، فإذا هي تغتسل للإسلام، وتشهد بشهادة التوحيد.

قال: فرجعتُ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأتيتُه وأنا أبكي من الفرح، فقلت: يا رسول الله أبشر، قد استجاب اللهُ دعوتك، وهدى أمَّ أبي هريرة. (٣)

لقد أتى - رضي الله عنه - أول النهار يبكي حُزناً على تمنُّعِ أمِّه عن الإسلام وسِباِبها للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فما لبِث أن عاد يبكي فرَحاً بإسلامها ببركة دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم -.


(١) رواه البخاري ح (١١٩).
(٢) فتح الباري (١/ ٢٦٠).
(٣) رواه مسلم ح (٢٤٩١).

<<  <   >  >>