للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذَيْن الطَّرفَيْنِ اعْتِدَال. فَإِن كَانَت الْأَطْرَاف كَثِيرَة فالاعتدالات أَيْضا كَثِيرَة. وَالنَّفس تأبى الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان وتميل إِلَى الِاعْتِدَال وَلِأَن لَهَا قوى تظهر بِحَسب الأمزجة فلتلك القوى الْمُخْتَلفَة إضافات مُخْتَلفَة إِلَى نسب مُخْتَلفَة واعتدالات مُخْتَلفَة. وَقد اجْتهد أَصْحَاب الموسيقا فِي تَمْثِيل هَذِه النّسَب وَتَحْصِيل هَذِه الاعتدالات بِأَن جعلُوا لَهَا أَمْثِلَة فِي مقولة الْكمّ من الْعدَد وَإِن كَانَ بَعْضهَا بمقولة الكيف أَحَق لِأَن الصِّنَاعَة مؤلفة من هَاتين أَعنِي الْكمّ والكيف وَلَكِن الْكمّ الَّذِي هُوَ الْعدَد أقرب إِلَى الأفهام ومثلوا مَا كَانَ من الْكَيْفِيَّة بالكمية ثمَّ لخصوا كل وَاحِدَة مِنْهُمَا تلخيصاً تَجدهُ مُبينًا فِي كتبهمْ. وَإِذا قد قُلْنَا مَا الَّذِي يصل إِلَى النَّفس من آثَار الْأَصْوَات وَمَا المحبوب مِنْهُ وَمَا الْمَكْرُوه على طَرِيق الْإِجْمَال من القَوْل فقد تبين أَن الإفراط مِنْهُ وَالْخُرُوج إِلَى إِحْدَى الْجِهَتَيْنِ يُؤثر بِحَسب ذَلِك. وَقد كَانَ تبين فِي مَوَاضِع كَثِيرَة أَن النَّفس وَالْبدن كل وَاحِد مِنْهُمَا مشتبك مَا يظْهر أثر أَحدهمَا فِي الآخر فَإِن الْأَحْوَال النفسية تغير مزاج الْبدن ومزاج الْبدن أَيْضا يُغير أَحْوَال النَّفس فَإِذا قوى أثر مَا فِي النَّفس حَتَّى يتَفَاوَت بِهِ المزاج وَيخرج عَن اعتداله لم يقبل أثر النَّفس وَعرض مِنْهُ الْمَوْت لِأَن الْمَوْت لَيْسَ بِأَكْثَرَ من ترك النَّفس اسْتِعْمَال الْآلَات الْبَدَنِيَّة. وَقد علمنَا أَن دم الْقلب الَّذِي لَهُ اعْتِدَال مَا إِذا انْتَشَر فِي الْبدن ورق بالسرور أَكثر مِمَّا يَنْبَغِي أَو عَاد وَاجْتمعَ إِلَى الْقلب بالغم أَكثر مِمَّا يَنْبَغِي - عرض من كل وَاحِدَة من الْحَالَتَيْنِ الْمَوْت أَو مَا يُقَارب الْمَوْت بِحَسب قُوَّة الْأَثر. وَمَا أَكثر مَا تُؤثر الْأَجْسَام تَأْثِيرا طبيعياً فيتأدى ذَلِك الْأَثر إِلَى النَّفس فتعرض لَهَا حَرَكَة مَا وَتصير تِلْكَ سَببا لتأثير آخر فِي الْجِسْم يكون بِهِ انتفاضه وَخُرُوجه عَن الِاعْتِدَال. وَإِذا تَأَمَّلت ذَلِك فِي الْأَشْيَاء المغضبة والمحزنة إِذا كَانَت قَوِيَّة تبين لَك ذَلِك. فَهَذَا كَاف فِي هَذَا الْموضع وَإِن أَحْبَبْت الإتساع فِيهِ فَعَلَيْك بكتب

<<  <   >  >>