وَأما جَعْفَر فَهُوَ إِلَّا أَن الْمُتَّفق عَلَيْهِ أَن إِسْحَاق فضل صَاحب الطلاقة - وَإِن كَانَ فِي الْأَكْثَر خَالِيا من بره على صَاحب الْبر وَالعطَاء الجزيل لما قرنه بِالْكبرِ والتيه. وَالنَّاس على تفَاوت عَظِيم فِي الْموضع الَّذِي سَأَلت عَنهُ وتعجبت مِنْهُ. وَذَلِكَ أَن مِنْهُم الْمُحب للثروة واليسار وَمِنْهُم الْمُحب للكرامة والجاه. فَأَما محب الثروة فقد يحب الجاه والكرامة وَلَكِن ليكتسب بهما مَالا. وَأما محب الجاه والكرامة فقد يحب المَال والثروة وَلَكِن ليكتسب جاهاً وينال كَرَامَة. وكل طَائِفَة من هَاتين الطَّائِفَتَيْنِ تزْعم أَنَّهَا هِيَ الكيسة وَأَن صاحبتها هِيَ الغافلة البلهاء. وَالصَّحِيح من ذَلِك ان كل وَاحِد مِنْهُمَا يُنَازع إِلَى أَمر طبيعي وَإِن كَانَ قد مَال السَّرف بهما جَمِيعًا إِلَى الإفراط وَذَاكَ أَن المَال يَنْبَغِي أَن يعتدل فِي طلبه ويكتسب من وَجهه ثمَّ ينْفق فِي مَوْضِعه. فَمَتَى قصر فِي أحد هَذِه الْوُجُوه صَار شَرها وأورث ذلة وَكسب بخلا وإثماً. وَأما الْكَرَامَة فَيَنْبَغِي أَن تكون فِي الْإِنْسَان فَضِيلَة يسْتَحق بهَا أَن يكرم لَا أَن تطلب الْكَرَامَة بالعسف أَو بِالْكبرِ الَّذِي ذممناه فِيمَا تقدم من الْمسَائِل آنِفا. فَإِذا كَانَ الْأَمر على مَا ذَكرْنَاهُ وَكَانَت الْكَرَامَة تَابِعَة للفضيلة فالكرامة أشرف من المَال تتبعه وَبِالْجُمْلَةِ فَإِن المَال لَيْسَ بمطلوب لذاته بل هُوَ آلَة يُوصل بِهِ إِلَى المآرب والأشجان الْكَثِيرَة.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute