للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٤٣- حول الإسكندر ذى القرنين.. وهل كان عبدًا صالحًا؟ أم من عبدة الأوثان؟

يمدح القرآن الإسكندر الأكبر (ذو القرنين) كعبد صالح يؤمن بالله [الكهف: ٨٧ـ٨٨] . ولكن جميع مؤرخى الإغريق يجمعون على أنه كان من عبدة الأوثان. فكيف يصح ذلك؟. (انتهى) .

الرد على الشبهة:

فى القرآن الكريم ـ بسورة الكهف: ٨٣ـ٩٨ حكاية ذى القرنين: (ويسألونك عن ذى القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكرًا * إنا مَكّنَّا له فى الأرض وآتيناه من كل شىء سببًا) (١) إلى آخر الآيات.

وخلال هذه الآيات يتبدى عدل " ذو القرنين " فيقول: (قال أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يُرد إلى ربه فيعذبه عذابًا نكرا * وأما من آمن وعمل صالحًا فله جزاء الحسنى وسنقول له من أمرنا يسرا) (٢) . تلك هى تسمية القرآن الكريم لهذا الملك " ذو القرنين ".

أما أن ذا القرنين هذا هو الإسكندر الأكبر المقدونى [٣٥٦ـ٣٢٤ق. م] فذلك قصص لم يخضع لتحقيق تاريخى.. بل إن المفسرين الذين أوردوا هذا القصص قد شككوا فى صدقه وصحته..

فابن إسحاق [١٥١هـ ٧٦٨م]ـ مثلاً ـ يروى عن " من يسوق الأحاديث عن الأعاجم فيما توارثوا من علم ذى القرنين " أنه كان من أهل مصر، وأن اسمه " مرزبان بن مردية اليونانى ".

أما الذى سماه " الإسكندر " فهو ابن هشام [٢١٣هـ ٨٢٨م]ـ الذى لخص وحفظ [السيرة]ـ لابن إسحاق ـ.. وهو يحدد أنه الإسكندر الذى بنى مدينة الإسكندرية، فنسبت إليه.

وكذلك جاءت الروايات القائلة إن " ذو القرنين " هو الإسكندر المقدونى عن " وهب بن مُنبِّه " [٣٤ـ١١٤هـ ٦٥٤ـ٧٣٢م] (٣) وهو مصدر لرواية الكثير من الإسرائيليات والقصص الخرافى.

ولقد شكك ابن إسحاق ـ وهو الذى تميز بوعى ملحوظ فى تدوين ونقد القصص التاريخى ـ شكك فيما روى من هذا القصص ـ الذى دار حول تسمية ذى القرنين بالإسكندر، أو غيره من الأسماء.. وشكك أيضًا فى صدق ما نسب للرسول صلى الله عليه وسلم حول هذا الموضوع.. وذلك عندما قال ابن إسحاق: " فالله أعلم أى ذلك كان؟.. أقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك أم لا؟ ".

ويثنى القرطبى على شك وتشكيك ابن إسحاق هذا، عندما يورده، ثم يقول: " والحق ما قال ".. أى أن الحق هو شك وتشكيك ابن إسحاق فى هذا القصص، الذى لم يخضع للتحقيق والتمحيص وإن يكن موقف ابن إسحاق هذا، وكذلك القرطبى، هو لون من التحقيق والتمحيص.

فليس هناك، إذًا ما يشهد على أن الإسكندر الأكبر المقدونى ـ الملك الوثنى ـ هو ذو القرنين، العادل، والموحد لله..


(١) الكهف: ٨٣ـ٨٤.
(٢) الكهف: ٨٧ـ٨٨.
(٣) القرطبى [الجامع لأحكام القرآن] ج١١ ص ٥٠ ـ مصدر سابق.

<<  <   >  >>