فهذا - حسب التشبيه المأثور في حال أهل السنة بين أهل الإسلام - مثلما لو ادعى عدوٌ للإسلام أن أهل الإسلام بين أهل الأديان قليلٌ؛ كالشعرة البيضاء في الثور الأسود، ورتب على هذا أنهم شذَّاذ لا اعتداد بخلافهم، ولا اعتبار لدينهم الذي خالفوا به سائر أمم الأرض.
فهذا ادعاءٌ لا يستحق كبير اهتمام، ولا يبعث كثير عجب، ولكن لو ادعى هذا العدو أن اليهود والنصارى هم المسلمون المتمسكون بما كان عليه الأنبياء جميعًا، وأنهم هم الأمة المصطفاة التي أورثها الله الكتاب، وأن المسلمين هم المخالفون لمنهج الأنبياء، وهم أولى أن يسموا بكل اسم سمي به أعداء الأنبياء ومخالفوهم، وسمَّاهم هذا العدو (المشركين أو الصابئين)(١)، أو نحو ذلك.
فهذا ما لا يملك أي مسلم يعرف حقيقة دينه أن يسكت عليه؛ لأنه قَلْبٌ للحقائق، ومكابرةٌ للعقول، ولو شاع مثل هذا الادعاء وسكت عليه المسلمون أو أقروه - كلهم أو بعضهم - حتى أصبح مصطلح (المشركين) أو (الصابئين) يعنيهم عند الإطلاق، ومصطلح (المسلمين) يعني اليهود أو النصارى أو المشركين ... لكان هذا خرقًا فظيعًا عما استقرت عليه الأفهام، وأجمعت عليه العقول، وتعارف عليه التاريخ المتواتر.
والمؤلم حقًّا أن هذا الذي لا يصدقه العقل بالنسبة للإسلام مع الملل قد أصبح - إلى حد ما - حقيقةً واقعةً بالنسبة لأهل السنة والجماعة مع الفرق!.
(١) كما كانت قريش تسمي النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين معه (الصباة).