للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أهل الصلاح والتقى من عوام الناس بعقيدة المتكلمين والمجادلين، فترى اعتقاد العامي في الثبات كالطود الشامخ لا تحركه الدواهي والصواعق، وعقيدة المتكلم الحارس اعتقاده بتقسيمات الجدل كخيط مرسل في الهواء؛ تفيئه الريح مرة هكذا ومرة هكذا، إلا من سمع منهم دليل الاعتقاد فتلقفه تقليدًا، كما تلقف نفس الاعتقاد تقليدًا، إذ لا فرق في التقليد بين تعلم الدليل أو تعلم المدلول، فتلقين الدليل شيءٌ، والاستدلال بالنظر شيءٌ آخر بعيدٌ عنه» (١).

ونحن مع موافقتنا لمن نقد المذهب من أصحابه وغيرهم على تفضيل عقيدة أهل الصلاح والتقى على عقيدة المتكلمين؛ لا نوافقهم على أن إيمان هؤلاء الصالحين المتقين - فضلًا عمن هو أعظم منهم إيمانًا من سلف الأمة - مجرد تقليد، كما قال أبو حامد. فمن أخذ الشيء بدليله ليس مقلدًا، واتباع نصوص الوحي ليس تقليدًا، بل هو الإيمان الذي يدل عليه العقل والنقل والفطرة!!.

وعلماء الأشاعرة لما حصروا القضية في التقليد والنظر، ثم تبين لهم من تجاربهم الخاصة فساد النظر الكلامي، وهزاله؛ عادوا إلى تفضيل التقليد حتى أوصى كثير من أئمتهم في توباتهم المشهورة آخر أيامهم؛ كالجويني، والغزالي، والرازي، وغيرهم بالتمسك بدين العجائز، ووصفوه بأنه أفضل عقيدة وأسلمها (٢).?


(١) كتاب قواعد العقائد من الإحياء (١/ ١٦٢) طبعة الشعب.
(٢) حتى من لم يصرح بدين العجائز إنما طلب الرجوع إلى الإيمان المجمل الذي هو حقيقة عقيدة العجائز والعوام.

<<  <   >  >>