ينكرونه وهو مجرد المعجزة، ولما كان استدلالهم بهذا الثاني قاصرًا؛ ظهر عليهم الفلاسفة وألزموهم.
وها هو ذا نص كلام الجويني في ذلك، قال:«إنما يثبت التواتر بشرائط: فمنها: أن يكون المخبرون عالمين بما أخبروا عنه على الضرورة، مثل أن يخبروا عن محسوسٍ أو معلومٍ بديهةً بجهةٍ أخرى سوى درك الحواس».
قال: «ولو أخبروا عما علموه نظرًا واستدلالًا لم توجب أخبارهم علمًا، فإن المخبرين عن حدث العالم (أي حدوثه) زائدون عن عدد التواتر، وليسو يوجب خبرهم علمًا. والمخبرون تواترًا عن بلدةٍ لم نرها مصدقون على الضرورة» (١).
فانظر كيف يعتبر العلم بحدوث العالم علمًا غير ضروري؛ لأنه ليس قائمًا على دليلٍ حسيٍّ أو بدهي، بل على دليلٍ نظريٍّ استدلالي، والإيمان ببلدة لم نرها ضروريًّا؛ لأنه حسي.
وكيف يجوز أن نصدق - بالضرورة - أعدادًا من الناس عن بلدة لم نرها، ولا نصدق بالضرورة بني آدم كلهم في إجماعهم إلا من شذ علي حدوث العالم، والإنسان قد يجد في نفسه ضرورةً أعظم من كل نظرٍ بعينه، فكيف إذا كانت هذه الضرورة مشتركة بين بني آدم كلهم.
ثم بعد هذا وقبله نسأل أنفسنا ونسأل الأشاعرة: ما قيمة الاعتراف?
(١) الإرشاد (ص٤١٣). وتبعه الرازي في الأربعين (ص٣٠٤).