فإن المعتزلة طبقوا ما أسلفنا أعلاه ابتداء من فصل القرآن عن السنة حيث ورد النص النبوي صريحًا في مثل حديث: (كتب التوراة بيده). انظر كتاب التوحيد لابن خزيمة ((١) /١٢٦)، ومرورًا بفصل الآية عن المنهج، فإن آية {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة: (٦٤)] جزءٌ من منهج الإيمان بصفات الله الكلي القطعي، وهم قطعوا النظر عن هذا المنهج بالكلية. ثم اجتزاء اللغة كما في قولهم: إن اليد في اللغة تأتي بمعنى النعمة والقدرة. ثم الرد إلى المعنى المتشابه أو قواعد البلاغة مثل قولهم: إن قوله تعالى: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ} [الإسراء: (٢٩)] مجازٌ؛ لأن المراد الإنفاق، فكذلك قوله: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ}، وتجاهلوا أن الآية المتعلقة بالإنسان لا تتفي أن يكون للإنسان يد، بل لفظة (اليد) فيها حقيقية، وإن كان المعنى الكلي للآية يتعلق بالإنفاق. فكذلك اليدان في قوله تعالى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} هي صفةٌ حقيقيةٌ لله، مع أن المعنى الكلي للآية في الإنفاق. ثم التسعف في تطبيق اللغة نفسها، فإن التثنية في قوله: {بَلْ يَدَاهُ}، وقوله: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: (٧٥)] لا تحتمل المجاز - أي القول بأنها النعمة أو القدرة - لأن المصدر لا يثنى.
ولهذا قال الإمام الدارمي: إن اليهود أثبتوا يدين مغلولتين، والله تعالى أثبت يدين مبسوطتين، فجاء المعطلة (من الجهمية والمعتزلة والأشاعرة) فقالوا: ليس له يدان أصلًا. وقل مثل ذلك في قولهم: إن القرآن مخلوق، ثم استدلالهم بكلمة (جعل) في قوله: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [الزخرف: (٣)]. ومثله نفيهم للاستواء، واستدلالهم بالبيت السائب: قد استوى بشر على العراق ... من غير سيف أو دم مهراق واستدلالهم على نفي الرؤية بأنهم وفّقوا بين القواطع العقلية وين قوله تعالى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} [الأنعام: ١٠٣] ونحوها. وهكذا في كل الصفات ..