وقد أدى هذا بطبيعة الحال إلى إسقاط قيمة النصوص جملة، وهي نتيجة يشترك فيها الأشاعرة معهم، لكن (الوسطية الأشعرية) لم تصل إلى هذه النتيجة مباشرة، بل بواسطة تقرير قاعدتين خطيرتين هما:
(١) - عدم إفادة النصوص لليقين. (وهو موضوعنا هنا).
(٢) - التأويل. (وهذاالموضوع التالي لهذا).
فأما عدم إفادة النصوص لليقين؛ فإنه يرجع في الأصل إلى تحديد مجال الوحي واختصاصه حسب القسمة المنطقية للمطالب - أي موارد الأدلة -، وهي كما قال صاحب (المواقف):
«ثلاثة:
أحدها: ما يمكن؛ أي لا ما لا يمتنع عقلًا إثباته ولا نفيه، نحو جلوس غراب الآن على منارة الإسكندرية (عبارة الرازي في الأساس: على جبل قاف) فهذا لا يمكن إثباته إلا بالنقل.
الثاني: ما يتوقف عليه النقل، مثل وجود الصانع، ونبوة محمد، فهذا لا يثبت إلا بالعقل؛ إذ لو ثبت بالنقل لزم الدور (١).
(١) مع مراجعة ما سبق تقريره في فصل (أول واجب على المكلف) لاحظ هنا كيف جعل مجال الوحي هو القضايا المجردة كالغراب، بينا جعل وجود الله وصحة النبوة متوقفة على العقل وجوبًا، وإلا لزم الدور، ولزوم الدور عند أساتذتهم الحكماء كفرٌ أكبر.