للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

السموم الفتاكة في صفوف الأمة.

وكان في الإمكان التصدي بيسرٍ وسهولةٍ لهذا الفكر الخبيث لو أن الأمة مجتمعة على منهج الوحي - أي عقيدة السلف الصالح - تؤمن بكل ما جاء عن الله ورسوله، وترفض منهج التأويل بإطلاق، ولكن كثيرًا من تلك الدويلات كانت تعتنق رسميًّا المذهب الأشعري، وكان علماء هذا المذهب يمثلون زعامة الدفاع عن الإسلام.

فلما واجهوا الباطنية بسلاح مفلول، وصفّ مخذول؛ استشرت الباطنية، وتفاقم خطرها حتى اقتنصت الملوك في أسرَّتِهم (١)، واقتحمت على العلماء بيوتهم وتلامذتهم.

ذلك أن الباطنية حاربت الأشاعرة بالسلاح الذي حاربت به الأشاعرة مذهب السلف وهو (التأويل)، فألزموهم وهزموهم (٢).

بل لا يبعد أن يقال: إن الباطنية تعلمت كثيرًا من فنون التأويل من


(١) منهم نظام المُلك نفسه الذي ساند الأشاعرة، ومكَّنهم من المدرسة النظامية.
(٢) من الثابت أن الغزالي في مرحلة الشك اعتنق مذهب الباطنية، كما صرح في (المنقذ من الضلال) وغيره، ومن الثابت أنه أدرك شؤم التأويل، كما صرح في الإحياء بأن التأويل منعته الحنابلة، وتوسعت فيه الباطنية، وتوسط فيه أصحابه، أما هو فقد أحال على الكشف النور الإلهي بزعمه كما سيأتي.
على أن المواضع التي ذكر فيها أن للقرآن ظاهرًا وباطنًا تفوق الحصر في الإحياء، وانظر كتابه الأربعين في أصول الدين (ص (٤٨))، ط (٢)، سنة (١٣٤٤هـ). ولا تريد الباطنية أكثر من هذا، أما رده على الباطنية فكل توفيق أحرزه فيه فمرجعه إلى السير على منهج الوحي ونبذ منهج التأويل، وعلى كل حال فالأمة التي لم تعرف التأويل أصلًا ترفض الفكر الباطني بداهة دون حاجة لردود.

<<  <   >  >>