وأُخبرت أيضاً عن محمد بن إسحاق بن يسار، صاحب السِّيرة، ومعنى الحديث كله مُتَفِّق، إلاَّ أَن أَلفاظه والزِّيادات في شُروحه تختلف، فقصدت عمود ... وزِدْتَ ونَقصت، ليطَّرد نسق الحديث على غاية الاختصار.
قالوا: كان قد تزوَّج كِلاب بن مُرَّة فاطمة بنت سعد سَيَل الأَزدية، كما قد شرحناه في غير هذا الموضع، فولدت له زُهْرة وزَيْدا ومات عنها، فقَدِم حاجُّ من قُضاعة. فتزوَّج ربيعة بن حَرام بن ضِنَّة العُذريّ فاطمة وأراد إخراجها، فرامت أخذ ولديها، فمنعتها قُريش، فتركت زُهرة وأخذت زَيْدا، لأنه كان صغيرا، فسُمِّي زَيْد: قصَيّاً، لذلك، وقد ذُكر لها شعر قالته كتبناه في موضعه، من كتاب أشعار النساء. ثم إن ابن لجأَ أجرى بين زيد وبين رجل من بني عُذرة، يقال له رفيع: الحقْ بقومك فلست منا. فرجع إلى أُمه فأخبرها وسألها، فقالت: إنك من قوم أَشرف حَسَبا وأَعزَّ منزلا وأَظهر فضلا، وقد قالت لي كاهنة رأتك: إِنك تلي أمرا جليلاً، فطبْ نفسا، وارتحل إلى أرض قومك حول الحرم. ثم جهَّزته فأحسنت جهازه وأخرجته في الشهر الحرام، فلما وصل عرفوه وأكرموه وأعظموه، وغلب على رياستهم وتزوَّح حُبيَّ بنت حُليل بن حَبَشِية، وكانت خُزاعة إذ ذاك غالبة على ولاية البيت بعد جُرَّهم، ومات حُليل، وجعل المفتاح في يد أبنه المُحترس أبي غُبشان. فيقول المتعصبون على اليمانية: إن قُسيّا أشترى المفتاح وولاية البيت بناقة كانت له ناجية، وزاده زقَّ خَمر فصيَّرها إليه، وكان المُحترس مضعوفا،.
وقال آخرون: بل أوصى حُليل لذلك لقصيّ كراما لبنته.
فأمَّا روايتنا عن الواقديّ، وابن إسحاق، جميعا: فهو أن قُصيّا رأى بعد حُليل أنه أحقُّ بالبيت وولايته لشرف نسبه، فجمع لذلك رجالا من قُريش وكنانة، وكاتب أخاه من أمه بن رِزاح بن رُبيعة، فأنجده رزاح واقتتلوا، فغلب قُصيّ على الأمر غُلْبَّةً، وقال في ذلك ولدُ قُصَيّ:
ونَحن العاصِمون بنو لُؤيّ ... بمكَّةَ مَنْصِبي وبها رُبِيت
لنا البَطحاءُ قد عَلمتُ معدُّ ... ومَرْوَتَها رضيتُ بها رَضِيت
افستُ لغالبٍ إِن لم تأَثَّلْ ... بها أَولادُ قيذةَ والنَّبيت
قُضاعة ناصِري وبِهِمْ أُسَامِي ... فَستُ أَخافُ ضَيْما ما حَيِيتُ
فأجابه رزاح، أو قال على وزن شعره:
وإِنِّي في الحَياةِ أَخُو قُصيّ ... إِذْا ما مَسَّه ضَيم أَبَيْتُ
إِذْا يَحنى عليّ بَذلتُ نَصْيرِي ... ويَبْذُل مثل ذلك إِن حَنيْتُ
نَفَيْا على مَنازِلَها عليّا ... فَمَا مِنْها بَذى الأطواءِ بَيْتُ
يُريد: عليّ بن سعود بن مازن الغسَّاني، لأنه كان أخا كنانة لأمه، وكفل ولده م بعده، فنسبوا إليه.
وكان قال رزاح في ذلك أيضا:
أَجَبْنَا قُصَيَّا على نَأَيه ... عَلَى الجُرْدِ تَرْدِي رَعِيلا رَعِيْلا
نهضنا إِليه نَقود الجِيْاد ونَطرح عَنَّا المَلُوَل الثَّقِيلا
ونُدْمِي من الخَيْل أفلاءَها ... مَخافةَ أن يَسْتَرْقِن الصَّهِيلا
والشِّعر طويل، وإنما نكتب ما لعله أَن يُحفظ منه.
وحَبْشِيَة: نفسه، الذي سُقنا هذا القول كُلَّه من أجله، كان شاعرا.
وقال بَكْرِ بن غالب بن عامر بن الحارث بن مُضَاض الجُرْهميّ، بعد أَن نَفَتْهم خُزاعةٌ عن مَكَّة:
أَلا لَيْتَ شِعري هل أَبيتنَّ ليلة ... وأَهلي مَعَا بالمأَزَمَيْن حُلولُ
وهَلْ أُبصرِنَّ العِيْسَ تَنْفُخ في البَري ... لها في مِنًى بالمَحْرَمَيْن ذَمِيل
فأجابه حَبَشِيَّة:
تَمَنىَّ أَمَانيَّ الظَّلالَ وإِنَّما ... نَفَتْك رِجالٌ ذَادةٌ وخيولُ
تَمَنّيتَ أَن تَلْقى خُزاعة بَرْحَة ... فَقَدْ مَعَجْتَ منها عَلْيْكَ سِيولُ
وبكر هو القائل يخاطب شاعرا من خُزاعة، يقال له: عمرو ابن الحارث بن عمرو:
يا عَمْرو لا نَفْخَرَ بِمَّكةِ ... إِنَّها بَلدٌ حَرام
وأَسأَل بعادٍ أَينَ هُمْ ... أَم كَيف تُختَرْمُ الأَنْام
أَو بالعماليق الَّذين ... لَهَم بها كانت سَوامُ