وأخبار آل زُرارة طوال ممتعة، ووقائعهم كثيرة، ولكن طلب الاختصار يوجب حذف ذلك كله.
" عُدَس ": قالوا: وكل " عُدَس " في العرب غير هذا، فإنه مفتوح الدال مضموم العين.
" عَبَشَمْس ": في بني تميم: عَبَشَمْس، بفتح الباء، ابن سعد بن زيد مناة بن تميم.
هذا قول ابن حبيب، وكان ابن الكلبي يقول: عَبَشَمْس، مُسكَّنة الباء.
وكان عَبَشَمْس يعشق الهَيْجُمَانة، بنت الهنبر بن عمرو بن تميم، ويزورها، فنهاه قومها، حتى وقعت الحرب بينهم، فأغار عليهم عَبْدَشَمس في جَيشه، فعلِمَت الهيجَمانة، فأعلمت أباها، " وكانوا يعرفون " عُجْبَها بعَبْد شَمْس، وأن عُجبها به كعُجبه بها. فقال " مازن بن مالك بن عمرو بن تميم: حَنَّتْ " فلا تَهَنَّتْ، وأَنَّى لم بمفزوع، وكان " لقبه "، فقال أبوها عند ذلك: أَيْ بُنَيَّة، أَصْدِقيني، فلا رَأْيَ لمكذوب، فقالت: ثَكِلتُك إِن لم أكُن صدَقتُك، فانجُ ولا إخالك ناجيا.
والهَيْجُمَانَة، في كلام العرب: الدُرَّة.
ومنهم: عُرقوب بن صَخْر بن مَعْبد بن أسد " بن شعبة بن خَوَّات ابن عَبَشمْسَ " الذي يُضرَب به المثل، فيقال: مواعيد عُرقوب.
كذا يقول بنو سعد، فأما ابن الكلبي فكان يقول: هو رجل من العماليق.
قالوا: وكان عُرقوب هذا يسكن يثرب، وله نخل، فوعد رجلاً من العرب نخلة، فلما أطلعت وصار حملها بلحاً، قال: دَعها حتى تُزهِيَ، فلما أزْهَت قال: دَعها حتى تُلَوِّن، فلما لوّنت، قال: دعها حتى تُرْطِب، فلما أرطبَت، قال: دعها حتى تُثْمِر، فلما أثمرت جَدَّها، فضُرب به المثل.
وقال الذُّبياني:
إذا وَعَدَتنا كان إنجازُ وَعْدها ... مَواعِيد عُرْقوب أخاه بيَثْرِبِ
وبعض المحقِّقين يرويه " بأَقْرب "، وهو مَوْضع.
ومنهم: إياس بن قتادة بن " أوْفى بن مَوْءِلَة بن عُتْبة بن عَمِيرة بن مُلادِس بن عَبْشَمْس "، وهو ابن أخت الأحنف بن قيس. وكان إياس سيِّد بني تَميم بالبصرة، فاجتمعوا إليه لنائبةٍ نابتهم، فدخل منزله ليلبس ثيابه، ويركب معهم إلى السلطان، فلما نظر في المرآة رأى لِحيته شَمْطة، فقال: يا جارية، خُذي إليك. ونزع ثيابه، ثم قال يا بني تَميم، وهبتُ لكم شبابي فهَبوا لي كَبْرتي، وترك السُّلطان، وصار مُؤْذَناً حتى مات.
وقد روي أن أهله قالوا له: والله لئن تركت السلطان لتموتن هزلاً. فقال: والله لئن أموت مؤمناً مهزولاً أحبُّ إليَّ من أن أموت مُنافقاً سَميناً، فقال الحسين " رحمه الله ": عَلِمَ أن القبر يأكل السَّمن ولا يأكل الإيمان.
وكان إياس قصيراً، فقال، في رواية أحمد بن يحيى بن جابر:
إِن أَكُ قَصْداً في الرِّجال فإني ... إذا حَلَّ أمرٌ سَاحَتِي لَجَسِيمُ
ومنهم: عبده بن " الطَّبيب، واسم الطَّبيب ": زَيد بن مالك ابن امرئ القيس بن مَرثد بن حنظلة بن سُبَيع بن عبد نَهْم بن جُشْم ابن عَبْشَمس، وقد قيل في نسبة غير ذلك، إلاَّ أني كذا وجدت بخط إسحاق، وعَرضَه على علماء " دَهْرِه، وأنَابه " أوْثق، وكذا وجدتُ بخطه " عَب الشمس " على ما صورته لك، وهذا " يُوهمني " أنه كان يقول: عَبِشَمْس، بكسر الباء، " لأن اللفظ بذلك يقارب " اللفظ بصورة الكلمة من خط إسحاق.
قال إسحاق: قال أبو زيد: قد أدرك عبدة الإسلام، وإنما سمى أبو: الطَّيب، بقوله:
كَفَفْتُ الأَذَى عَنَّا بِغَضْب مُهَنَّدٍ ... وإنِّي بِجَهْل الجاهلين طبيب
وكان حمَّاد بن أبي ليلى الرَّاوية، يقول: كان عَبدة حَبشيّاً، وعَبدة شاعر معدود مشهور، صاحب القصيدة التي فيها:
والمَرْءُ ساع لأمْرٍ ليس يُدْركه ... والعَيْشُ شُحٌّ وإشفاقٌ وتأميلُ
ابْنيَّ إِنِّي قَدْ كَبِرْتُ ورَابَنِي ... بَصَرِي وفيّ لمُصِلِحٍ مُسْتَمْتَعُ
وأشعاره حِسَان، ولكنني يعجبني منها قوله:
نَمَا الشَّوق حتى ظَلَّ إنسانُ عَينه ... يَمِيحُ بَمَعْنُود من الدَّمْعِ مُتْأَق
وما يَرْعَ من وصْلٍ لنا لا يَزَلْ له ... جَديداً وما يَتْرُك من الوصل يَخْلق
وابنه: أُثال بن عبدة بن الطَّبيب القائل:
ولمَّا الْتَقى الأَبطالُ واشْتَجر القَنَا ... سِجالاً وأَسبَابُ المَنَايَا سِجَالُها