بَرَّدْتَ وَاللهِ عَلَى أنَّها ... إليكَ مِنَّا حاجةٌ بارِدَهْ
والبحتري يقول في نحو هذا لأبي أيوب ابن أخت الوزير:
لكَ الخيرُ، ما مِقدَارُ عَفْوي وما جُهْدِي ... وآلُ حُمَيدٍ عنْدَ آخِرِهم عِنْدي؟
تَتابَعتِ الطَّاءَانِ طُوسٌ وَطَيِّئٌ ... فَقُلْ في خُراسانٍ، وإنْ شِئْتَ في نَجْدِ
أَتَوْنِي بِلاَ وَعْدٍ وإنْ لم تَجُدْ لهُمْ ... بِرَاحِهِمِ راحُوا جَمِيعاً عَلَى وَعْدِ
ولم أرَ خِلا كالنَّبيذِ إذَا جفَا ... جفَاكَ لهُ خُلاَّنُهُ وذَوُو الوُدِّ
وممَّا دَهَى الفِتْيَانَ أنَّهُمُ غَدَوْا ... بِآخِرِ شَعبانٍ على أوَّلِ الوَرْدِ
غداً يَحْرُمُ الماءْ القَرَاحُ وَتَنْتَوِىوُجوهٌ مِنَ الَّلذَّاتِ مُشْجِيَةُ الفَقْدِ
أَعِنَّا عَلَى يَوْمٍ يُشَيِّعُ لَهْوَنَا ... إلَى ليلةٍ فيها لهُ أجَلٌ مُرْدِي
حدثني محمد بن موسى بن حماد قال: وجه الحسن بن وهب إلى أبي تمام وهو بالموصل خلعةً فيها خَزُّ ووشْىٌ. فامتدحَه ووصفَ الخلعة في قصيدةٍ أولها:
أَبُو عَليٍ وَسْمِيُّ مُنْتَجِعِهْ ... فاحلُلْ بأَعَلى وَاديِهِ أوْ جَرَعِهْ
ثم وصف الخلعة فقال:
وقد أتاني الرسولُ بالملبسِ الفَخْمِ ... لصيفِ امرئٍ ومُرْتَبَعِهْ
لو أَنها جُلِّلَتْ أوَيْساً لقدْ ... أسْرَعتِ الكِبْرياءُ فيِ وَرَعِهْ
رائقُ خَزٍّ أُجيدَ سَائِرُهُ ... سَكْبٍ تَدينُ الصَّبَا لمُدَّرِعِهْ
وَسِرُّ وَشيٍ كأنَّ شِعْريَ ... أحْيَاناً نَسِيبُ العُيُونِ مِنْ بِدَعِهْ
تَرَكْتَنِي سَامِيَ الجُفُونِ عَلَى ... أَزْلَمِ دَهْرٍ بِحْسْنِهَا جَذَعِهْ
يريد على دهر قديم وهو الأزلم لطوله وقدمه وجذعه، لأن يومه جديد، قال لقيط الإيادي:
يا قَوْم بَيْضَتُكُمْ لاَ تُفْجَعُنَّ بها ... إِني أخافُ عليها الأزلَمَ الجَذَعَا
وقد وصف خلعةً أخرى أحسن من هذا الوصف وجوده.
حدثني عون بن محمد قال، حدثني الحسين بن وداع، كاتب الحسن بن رجاء، قال: حضرت محمد بن الهيثم بالجبل وأبو تمام ينشده:
جَادَتْ مَعَاهِدَهُمْ عِهَادُ سَحَابةٍ ... ما عَهْدُها عندَ الدِّيارِ ذَميمُ
قال: فلما فرغ منها أمر له بألف دينار وخلع عليه خلعةً حسنةً، وأقمنا ذلك اليوم عنده، ومعنا أبو تمام، ثم انصرف وكتب إليه في غد ذلك اليوم:
قَدْ كسَانَا من كُسْوَةِ الصَّيْفِ خِرْقٌ ... مُكْتَسِ من مَكاَرِمٍ ومَسَاعِ
حُلَّةً سَابِرِيَّةً ورِداءً ... كَسَحَا القَيْضِ أو رِداءِ الشجاعِ
كالسَّرابِ الرَّقْراقِ في الحُسْنِ إلاّ ... أنّه ليس مِثلَه في الخِدَاعِ
قَصَبِيّاً تَسْتَرَجِفُ الريحُ مَتْنَيْ ... هِ بأمرٍ منَ الغُيُوبِ مُطاعِ
رَجَفَاناً كأنه الدهرَ منهُ ... كبِدُ الصّبِّ أوْحَشَا المُرْتاعِ
لاَزماً ما يَليه تَحْسَبُهُ جُزْ ... ءاً من المثْنَيَيْنِ والأَضْلاعِ
يَطْرُدُ اليومَ ذا الهجير ولو شُبِّ ... هَ في حَرِّهِ بِيَوْمِ الوَدَاعِ
خِلْعَةٌ مِنْ أَغَرَّ أرْوَعَ رَحْبِ الصَّ ... دْرِ رَحْبِ الفُؤَادِ رَحْبِ الذِّرَاعِ
سَوْفَ أَكْسُوكَ ما يُعَفِّى عليْها ... مِنْ ثَنَاءٍ كالبُرْدِ بُرْدِ الصَّنَاعِ
حُسْنُ هاتيكَ في العُيونِ وَهَذَا ... حُسْنُهُ في القُلُوبِ والأَسْمَاعِ
فقال محمد بن الهيثم: من لا يعطي على هذا ملكه؟ والله لا بقى في داري ثوب إلا دفعته إلى أبي تمام؛ فأمر له بكل ثوبٍ يملكه في ذلك الوقت.
ونحو قول أبي تمام في البيت الأخير قول عبد الصمد:
بأيْمَنِ طائرٍ وأَسَرِّ فَالِ ... وأَعْلَى رُتْبَةٍ وأجلِّ حالِ