" القول الثاني: أن المراد منه القرآن. وهذا أظهر. لأن الألف واللام إذا دخلا على الاسم المفرد، انصرف إلى المعهود السابق. والمعهود السابق من الكتاب عند المسلمين هو القرآن، فوجب أن يكون المراد من الكتاب في هذه الآية القرآن ".
وقد حمل كثير من الناظرين في القرآن في هذا العصر، الكتاب على القرآن الكريم، واعتبروا الآية دليلاً على الإعجاز العلمي في القرآن -كما يقولون- وأن القرآن فيه مختلف أنواع العلوم والمعارف والنظم والمناهج والتشريعات. فكم استشهد بالآية على هذا المعنى، خطباء ومحاضرون وكُتّاب ومتكلِّمون.
ونرى أن فهم هؤلاء للآية غير دقيق، واستشهادهم بها على ما يريدون غير صائب، وحملهم الكتاب فيها على القرآن غير سليم. ونرى بأنهم جميعاً يخالفون السياق الذي وردت فيه الآية، والمعنى العام لها.
لا يمكن أن يُراد بالكتاب في الآية القرآن الكريم، بل المراد به " اللوح المحفوظ " و " أم الكتاب " و " الكتاب المبين " الذي حوى كل ما سيكون في السموات والأرض، من الأمور الصغيرة والكبيرة، والدقيقة والجليلة، في الكون وحياة الإنسان والحيوان.
ودليلنا على هذا الفهم -الذي نراه صواباً إن شاء الله- عدة أمور: الأول: الموضوع العام للآية: حيث تقرر أن كل دواب الأرض، وكل حيواناتها، وكل حشراتها، وكل طيورها، وكل أناسيِّيِّها، أممٌ مستقلة منتظمة، فعالم النحل أمة، وعالم النمل أمة، وعالم الأسود أمة، وعالم النسور أمة، وهكذا.